كانت على رأس النجاشيّ وصيفة له تذبّ عنه ، فنظرت إلى عمارة بن الوليد ، وكان فتىّ جميلا ، فأحبته ، فلما رجع عمرو بن العاص إلى منزله قال لعمارة : لو راسلت جارية الملك ، فراسلها ، فأجابته ، فقال له عمرو : قل لها تبعث إليك من طيب الملك شيئا. فقال لها ، فبعثت إليه ، فأخذ عمرو من ذلك الطيب ، وكان الذي فعل به عمارة في قلبه ، حين ألقاه في البحر ، فأدخل الطيب على النجاشيّ ، فقال : أيّها الملك ، إنّ حرمة الملك عندنا ، وطاعته علينا عظيمة ، ويلزمنا إذا دخلنا بلاده ، ونأمن فيها أن لا نغشّه ولا نريبه.
وإن صاحبي هذا الذي معي قد راسل إلى حرمتك ، وخدعها ، وبعثت إليه من طيبك. ثمّ وضع الطيب بين يديه ، فغضب النجاشيّ ، وهم بقتل عمارة ، ثمّ قال : لا يجوز قتله ، فإنّهم دخلوا بلادي بأماني.
فدعا النجاشيّ السّحرة ، فقال لهم : اعملوا به شيئا أشدّ عليه من القتل ، فأخذوه ونفخوا في إحليله الزّئبق ، فصار مع الوحش يغدو ويروح ، وكان لا يأنس بالناس ، فبعثت قريش بعد ذلك إليه ، فكمنوا له في موضع حتّى ورد الماء مع الوحش ، فأخذوه ، فما زال يضطرب في أيديهم ويصيح حتّى مات.
ورجع عمرو إلى قريش ، وأخبرهم أنّ جعفرا في أرض الحبشة ، في أكرم كرامة. فلم يزل بها حتى هادن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قريشا ، وصالحهم ، وفتح خيبر ، فوافى بجميع من معه ، وولد لجعفر بالحبشة من أسماء بنت عميس عبد الله بن جعفر ، وولد للنّجاشي ابن فسماه محمّدا.
وكانت أم حبيبة ـ رملة ـ بنت أبي سفيان تحت عبد الله (١) ، فكتب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى النجاشيّ ، يخطب أم حبيبة ، فبعث إليها النّجاشيّ ، فخطبها لرسول
__________________
(١) أم حبيبة هاجرت مع زوجها عبد الله بن جحش إلى الحبشة ، ثمّ تنصّر عبد الله هناك ، ومات على النصرانية ، وثبتت أم حبيبة على دينها الإسلام ، ثم تزوّجها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. (أعلام النساء : ج ١ ، ص ٤٦٤).