صبر صبر قليلا ، وإنّ من جزع جزع قليلا ـ ثمّ قال ـ عليك بالصّبر في جميع أمورك ، فإنّ الله بعث محمّدا وأمره بالصّبر والرّفق ، فقال : (وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً)(١) ، وقال : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)(٢) فصبر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتّى قابلوه بالعظائم ، ورموه بها ، فضاق صدره ، فأنزل الله عزوجل : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ)(٣).
ثمّ كذّبوه ورموه ، فحزن لذلك ، فأنزل الله تعالى : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ) ـ إلى قوله ـ (ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا) فألزم صلىاللهعليهوآلهوسلم نفسه الصّبر.
فقعدوا وذكروا الله تبارك وتعالى بالسوء وكذّبوه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لقد صبرت على نفسي وأهلي وعرضي ، ولا صبر لي على ذكرهم إلهي. فأنزل الله : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ)(٤) فصبر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في جميع أحواله.
ثمّ بشّر في الأئمّة من عترته ، ووصفوا بالصّبر ، فقال : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ)(٥) فعند ذلك قال عليهالسلام : الصّبر من الإيمان كالرّأس من البدن. فشكر الله ذلك له فأنزل الله عليه : (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ)(٦) فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : آية بشرى وانتقام. فأباح الله قتل المشركين حيث وجدوا ، فقتلهم الله على يدي رسول
__________________
(١) المزمل : ١٠.
(٢) فصّلت : ٣٤.
(٣) الحجر : ٩٧.
(٤) ق : ٣٨ ـ ٣٩.
(٥) السجدة : ٢٤.
(٦) الأعراف : ١٣٧.