قبض قبضة بلغت من السماء السابعة إلى السماء الدنيا ، وأخذ من كلّ سماء تربة ، ثمّ قبض قبضة أخرى ، من الأرض السابقة العليا إلى الأرض السابعة القصوى ، فأمر الله عزوجل كلمته فأمسك القبضة الأولى بيمينه ، والقبضة الأخرى بشماله ، ففلق الطين فلقتين فذرا من الأرض ذروا ومن السموات ذروا ، فقال للذي بيمينه : منك الرّسل والأنبياء والأوصياء والصدّيقون والمؤمنون والشهداء ومن أريد كرامته. فوجب لهم ما قال كما قال. وقال للذي بشماله : منك الجبّارون والمشركون والمنافقون والطواغيت ومن أريد هوانه وشقوته. فوجب لهم ما قال كما قال. ثمّ إن الطينتين خلطتا جميعا ، وذلك قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى) فالحبّ : طينة المؤمنين التي ألقى الله عليها محبّته ، والنّوى : طينة الكافرين الذين نأوا عن كلّ خير ، وإنّما سمّي النّوى من أجل أنّه نأى من الحقّ وتباعد منه.
وقال الله عزوجل : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ) ، فالحيّ : المؤمن الذي تخرج طينته من طينة الكافر ، والميّت الذي يخرج من الحيّ : هو الكافر الذي يخرج من طينة المؤمن ، فالحيّ : المؤمن ، والميّت : الكافر ، وذلك قول الله عزوجل : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ)(١) فكان موته اختلاط طينته مع طينة الكافر ، وكان حياته حين فرّق الله عزوجل بينهما بكلمته. كذلك يخرج الله عزوجل المؤمن في الميلاد من الظلمة بعد دخوله فيها إلى النور ، ويخرج الكافر من النور إلى الظلمة بعد دخوله إلى النور ، وذلك قول الله عزوجل : (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ)(٢)» (٣).
__________________
(١) الأنعام : ١٢٢.
(٢) يس : ٧٠.
(٣) الكافي : ج ٢ ، ص ٤ ، ح ٧.