الشرك ، وأنه يغفر ما دونه ، مثل جواز العفو عن مرتكبي الكبائر من أهل الصلاة ، وإن لم يتوبوا.
وقيل : أنه عنى بهذه الآية أبا طعمة (١) الخائن حين أشرك ومات على شركه بالله ، غير أن الآية وإن نزلت بسببه ، فعندنا وعند جميع الأمة أن الله لا يغفر لمن أشرك به بلا توبة : لتناول العموم لهم ، فإن قيل : فعلى هذا من لم يشرك بالله بأن لا يعبد معه سواه ، وإن كان كافرا بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من اليهود والنصارى ينبغي أن يكون داخلا تحت المشيئة ، لأنه مما دون الشرك؟
قلنا : ليس الأمر على ذلك لأن كل كافر مشرك ، لأنه إذا جحد نبوة النبي اعتقد أن ما ظهر على يده من المعجزات ـ ليست من فعل الله ، ونسبها إلى غيره ، وأن الذي صدقه بها ليس هو الله ، ويكون ذلك إشراكا معه على أن الله تعالى أخبر عنهم بأنهم قالوا : ـ يعني النصارى ـ «المسيح ابن الله ، وقالت اليهود عزير بن الله» (٢) وذلك هو الشرك بالله تعالى على أنه لو لم يكونوا داخلين في الشرك لخصصناهم من جملة من تناولتهم المشيئة لإجماع الأمة على أن الله تعالى لا يغفر الكفر على وجه إلا بتوبة.
وقوله : (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) : يعني : من يجعل في عبادته مع الله شريكا ، فقد ذهب عن طريق الحق وزال عن قصد السبيل ذهابا بعيدا ، لأنه بإشراكه مع الله في عبادته فقد أطاع الشيطان ، وسلك طريقه وترك طاعة ربه (٣).
__________________
(١) أبو طعمه بن الأبيرق ، وهو من الخائنين الذين ذكرهم الله في قوله : (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً). لما أبى التوبة من أبى ومنهم أبو طعمة بن الأبيرق. ولحق بالمشركين من عبدة الأوثان بمكة مرتدا مفارقا لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ودينه.
(٢) التوبة : ٣١.
(٣) التبيان : ج ٣ ، ص ٣٣٠.