والأمارات على ما لا يخفى
______________________________________________________
المعارضة ، فأدلّة اعتبار التقليد كأدلة سائر الأمارات ليس فيها إطلاق أحوالي حتى يتمسك به في حال التعارض ، فأدلة حجية الخبر الواحد مثلا ناظرة إلى اعتبار خبر الثقة أو العادل في الجملة بمعنى عدم تكفلها لحال المعارضة بخبر ثقة آخر ، ولذا تصل النوبة حال تعارض الخبرين إلى الأخبار العلاجية لتعيين الوظيفة ، وإلّا فالأصل الأوّلي في تعارض الطرق هو التساقط.
وعليه فإذا لم تكن الإطلاقات في مقام بيان حجية فتوى الفقيه في حال معارضتها بفتوى أخرى ، فلا بد من الرجوع إلى الأصل العملي ، وهو ما ذكرناه من أصالة التعيين عند
__________________
مقصورة على أجنبيتهما عن باب قبول فتوى المجتهد تعبدا.
وإن كان مقصوده منع دلالة الآيات والروايات معا ، فما أفاده لا يخلو من غموض ، لمنافاته مع تصريحه في الفصل السابق بدلالة الأخبار بطوائفها العديدة على جواز التقليد.
وأمّا توجيه هذا المنع بما أفاده المحقق الأصفهاني (قده) من «أنّ الإفتاء في الصدر الأوّل في مقام نشر الأحكام كان بنقل الروايات ، لا بإظهار الرّأي والنّظر ... فالإطلاقات غير متكفلة لحال الفتوى حتى يتمسك بإطلاقها ، وإليه يؤول الجواب الأوّل في المتن ... لكنه بالتقريب المزبور لا بما أفاده عند المناقشة في دلالتها على لزوم التقليد أو جوازه ...» (١) فلا يخلو من غموض ، فإنّه (قده) معترف بمخالفة استظهاره من تلك الروايات لما استظهره الماتن منها ، فإنّ المصنف اعتمد عليها في حجية الفتوى شرعا ، ومعه كيف يكون مبنى الإشكال في الاستدلال بها ما استفاده المحقق الأصفهانيّ منها.
مضافا إلى ما في قوله : «لا بما أفاده عند المناقشة فيها» فإنّ المصنف إنّما منع ـ في الاستدلال على جواز التقليد ـ من دلالة آيتي النفر والسؤال ، واعترف بدلالة الأخبار عليه ، فلم يتقدم مناقشة في دلالة الأخبار من المصنف حتى يكون قوله في المتن : «بعد الغض عن نهوضها» إشارة إلى مناقشة أخرى استظهرها المحقق الأصفهانيّ ، لا المناقشة المتقدمة من المصنّف. ولعلّ الأولى الاعتراف بعدم الوقوف على مقصوده ، والله أعلم بحقيقة الحال.
__________________
(١) نهاية الدراية ، ٣ ـ ٢١٣