.................................................................................................
______________________________________________________
في وجوب الاقتصار على تقليد الأعلم حرجا عظيما ، وهو منفي في الشريعة المقدسة. ووجه العسر أمران :
أحدهما : أنّ جميع المكلفين ليسوا في بلد المجتهد الفاضل حتى يسهل لهم الرجوع إليه في كل مسألة ، فلا بد لهم من شدّ الرحال من البلاد البعيدة للوصول إلى الأعلم والسؤال عنه ، ومن المعلوم أنّ هذا يوجب العسر الشديد على المقلّدين ، بل على المجتهد نفسه أيضا ، لو لم يكن متعذرا.
ثانيهما : أن وجوب تقليد الأعلم متوقف على تشخيصه من بين المجتهدين المنتشرين في البلاد ، ومن المعلوم أنّ تشخيص الأعلم مفهوما ومصداقا من التكاليف العسرية ، خصوصا تمييز المصداق ، لتعارض البينات واختلاف أهل الخبرة مما يوجب تحيّر عوام المؤمنين في تكليفهم.
وحيث كان منشأ هذا الحرج إلزام الشارع بالرجوع إلى خصوص الأعلم كان مقتضى حكومة قاعدة نفي العسر والحرج على الأدلّة الأوليّة عدم وجوبه ، فيثبت حينئذ جواز تقليد المفضول ، وهو المطلوب.
وليعلم أن الوجه المزبور ـ وهو التمسك بقاعدة نفي العسر ـ لمّا كان متضمنا لبيان العسر من جهتين أمكن جعله دليلين ، أحدهما : العسر في أصل معرفة الأعلم من بين الفقهاء ، والثاني : تعسّر الوصول إلى فتاواه على المؤمنين الّذين ليسوا في بلده ، فضلا عن سكّان القرى والبوادي. ولكن لأجل كون الجامع بين هاتين الجهتين هو التمسّك بالدليل الثانوي أعني قاعدة نفي العسر أدرجنا كلتا الجهتين تحت عنوان واحد وهو لزوم العسر والحرج ، والأمر سهل بعد وضوح المطلب.
وكيف كان فقد أجاب المصنف عن كلتا الجهتين ، أمّا عن تعسر الوصول إلى فتاوى الأعلم فبأنّه لا عسر في تعلّم فتاواه ، لسهولته بأخذ رسالته ، أو السؤال عمّن يحيط بفتاوى المجتهدين وينقلها للمقلّدين ، وهذا في عصرنا الحاضر في غاية السهولة ، ولا حرج فيه أصلا ، بل كان الأمر كذلك في الأعصار السابقة أيضا التي لم تكن فيها وسائل الإعلام والمواصلات على ما هو عليه في عصرنا الحاضر.