وأخرج البخاري في صحيحه ، والترمذي في سننه ، والبيهقي في السنن الكبرى وغيرهم ، بأسانيدهم عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال : ما عندنا شيء إلا كتاب الله وهذه الصحيفة عن النبي صلىاللهعليهوسلم : المدينة حرَمٌ ما بين عائر إلى كذا ، من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يُقبَل منه صرف ولا عدل ، وقال : ذمَّة المسلمين واحدة ، فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل منه صرف ولا عدل ، ومن تولى قوماً بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل منه صرف ولا عدل (١).
وأكثر تلكم الروايات المروية عندهم ظاهرة في أن تلك الصحيفة كانت مشتملة على أمور أخرى غير ما ذكر في الحديث ، بدليل تفاوت الأحاديث طولاً وقصراً في بيان ما حوتْه تلك الصحيفة.
ومن غير البعيد أن تحتوي تلك الصحيفة على قواعد كلية عامة عُبِّر عنها في الحديث ب ـ (أحرف يَفْتَح كلُّ حرف منها ألفَ حرف).
ولعل المراد بالحرفين اللذين خرجا قاعدة (لا يُقتل مسلم بكافر) ، وقاعدة (من تولَّى قوماً بغير إذن مواليه) ، فإنهما قاعدتان ينفتح منهما مسائل كثيرة متشعبة.
وأما العلة التي من أجلها أخفى الإمام عليهالسلام باقي ما في الصحيفة إلا اليسير الذي خرج منها ، فلا ندري بها ، والإمام عليهالسلام أعرف بتكليفه ، وهو عليهالسلام أدرى بأهل عصره ، ونحن لسنا مكلَّفين به على فرض تحقّقه.
هذا مع أن أحاديث أهل السنة ظاهرها أنه عليهالسلام أظهر شيئاً منها لا كلّها ، وعليه فالإشكال نفسه يرد عليهم ، بل وروده عليهم أولى باعتبار صحَّة أحاديث الصحيفة عندهم ، وعدم اعتقادهم بأن الإمام عليهالسلام كان يتَّقي من أهل عصره.
__________________
(١) صحيح البخاري ١ / ٥٥٣ ، ٢ / ٩٧٩ ، ٩٨١ ، ٤ / ٢١١٠. سنن الترمذي ٤ / ٤٣٨. السنن الكبرى للبيهقي ٥ / ١٩٦. مسند أحمد ١ / ٨١.