مرَّ بيانه.
وإن أراد أنه لا كتاب يصح التعبد به في الإسلام إلا القرآن فهذا قول باطل ، لأن أهل السنة وغيرهم تعبَّدوا بكتب كثيرة لا يزالون يقدِّسونها ويقدِّسون كُتَّابها ، كصحيح البخاري ومسلم وغيرهما من كتب الحديث المعتبرة عندهم.
بل إنهم غلوا في أمثال هذه الكتب حتى قال الإمام القدوة ـ على حد تعبير ابن حجر ـ أبو محمد بن أبي جمرة في اختصاره للبخاري : قال لي من لقيته من العارفين عمن لقي من السادة المقَرّ لهم بالفضل : إن صحيح البخاري ما قُرئ في شدة إلا فُرجتْ ، ولا رُكِبَ به في مركب فغرق. قال : وكان ـ أي البخاري ـ مجاب الدعوة ، وقد دعا لقارئه رحمهالله تعالى ... (١).
ورَوَوا عن الترمذي أنه قال : صنَّفتُ هذا الكتاب ـ يعني سنن الترمذي ـ فعرضته على علماء الحجاز والعراق وخراسان فرضوا به ، ومن كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبي يتكلم (٢).
وقال زكريا الساجي : كتاب الله أصل الإسلام ، وسنن أبي داود عهد الإسلام (٣).
إلى غير ذلك مما قالوه في كتبهم الكثيرة التي تعاهدوها بالرعاية والعناية ، واحتجوا بما فيها حتى جعلوها عِدْلاً للقرآن الكريم كما لا يخفى على أحد.
فلا ندري ما هو الإشكال في حيازة كتب مشتملة على أحاديث نبوية ومعارف دينية وأحكام شرعية كما هو حال الصحيفة المعلقة بذؤابة سيف أمير المؤمنين عليهالسلام التي تقدَّم الكلام فيها؟! أو في حيازة كتب الملاحم والفتن والحوادث كما هو حال
__________________
(١) مقدمة فتح الباري ، ص ١١.
(٢) تذكرة الحفاظ ٢ / ٦٣٤. سير أعلام النبلاء ١٣ / ٢٧٤. الحطة في ذكر الصحاح الستة ، ص ٢٠٧.
(٣) تذكرة الحفاظ ٢ / ٥٩٣.