يوافقهم ، فإنه يجب حينئذ الأخذ به ، وموافقتُه لهم لا تضر به ، لأن الحق أحق أن يُتَّبع.
ونحن قد أوضحنا فيما مرَّ أن الأخذ بخلاف قول العامة إنما هو في حال وجود خبرين أو أخبار متعارضة ، بعضها موافق لهم ، وبعضها مخالف لهم ، فلا مناص حينئذ من حمل الموافق على التقية وطرحه ، والعمل بالمخالف ، لا من أجل كونه مخالفاً ، بل لأن الموافقة لهم دليل على صدوره من الأئمة عليهمالسلام تقية.
وأما ما نسبه للسيد محمد باقر الصدر قدسسره فهو غير صحيح ، لأنه مخالف لكلامه في كتبه وأبحاثه ، فإنه ذكر أن مخالفة العامة ما هو إلا مرجِّح عند تعارض الأدلة الشرعية من أجل استكشاف الحكم الشرعي الصادر عنهم عليهمالسلام لا على جهة التقية ، وأما مع وضوح الحكم الشرعي فلا معنى للترجيح حينئذ بمخالفة العامة (١).
ومجمل القول أنك لا تجد واحداً من علماء الشيعة يجوِّز طرح الحكم الشرعي الثابت بالأدلة الصحيحة من أجل مخالفة العامة ، وإنما هو قول بعض علماء أهل السنة الذين جوَّزوا طرح السُّنة الثابتة لأنها صارت شعاراً للروافض كما تقدَّم بيانه.
ولكن الكاتب دأب في هذا الكتاب على إلصاق بعض مخازي القوم بعلماء الشيعة ، لأجل تبرئة أهل السنة مما ابتُلوا به ، إلا أنه فشل في مسعاه ، وخاب في مبتغاه ، لأنه جعل أدلَّته النقولات القولية المكذوبة التي لا تنفق في سوق إثبات الأحكام الشرعية والمسائل الخلافية.
* * *
قال الكاتب : إن كراهية الشيعة لأهل السنة ليست وليدة اليوم ، ولا تختص بالسنة المعاصرين ، بل هي كراهية عميقة تمتد إلى الجيل الأول لأهل السنة ، وأعني الصحابة ما عدا ثلاثة منهم وهم أبو ذر والمقداد وسلمان ، ولهذا روى الكليني عن أبي
__________________
(١) راجع كتابه (تعارض الأدلة الشرعية) ، ص ٣٤ ، ٣٥٨ ، ٤١٥ وغيرها.