وأقول : أنا أتعجب من هذه الاستدلالات الغريبة ، فإن الكاتب استدل على أن روايات التحريف لم يُسمع بها في زمان الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي بأنهما نفيا تحريف القرآن ، وجعل ذلك دليلاً على أن تلك الروايات لم يكن لها وجود في زمانهما ، وإنما اختُلقت بعدهما بمدة مديدة ، مع أن الروايات المزبورة كانت موجودة في زمانهما بل قبله ، ولهذا أشار إليها الشيخ المفيد المتوفى سنة ٤١٣ ه ـ والمعاصر للصدوق في كتابه (أوائل المقالات) كما مرَّ النقل عنه.
ولعل الكاتب نسي أنه قد ذكر قبل سطور قليلة أن تلك الروايات مذكورة في كتاب سليم بن قيس ، وهو مكتوب قبلهما بسنين كثيرة ، ونسي أنه ذكر فيما مرَّ روايات نقلها عن الكافي للكليني (ت ٣٢٩ ه ـ) دالة عنده على التحريف.
وإذا كان الكاتب قد جزم بأن روايات تحريف القرآن مدسوسة في كتب الأحاديث الشيعية في العصور المتأخرة ، فلا بد من الجزم أيضاً بأن أحاديث التحريف المروية في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما من كتب الحديث عند أهل السنة قد زيدت فيها في العصور المتأخرة ، وذلك لأن البخاري ومسلم ومالك وأصحاب السنن الأربعة والمعاصرين لهم لم يكونوا يقولون بالتحريف مع وجود روايات التحريف الكثيرة الصريحة في كتبهم ، وهذا يدل ـ بميزان الكاتب ـ أن تلك الروايات قد زيدت فيما بعد في كتبهم ، وإلا لو رأوها لقالوا بالتحريف.
* * *
قال الكاتب : ولما قامت الدولة الصفوية صار هناك مجال كبير لوضع الروايات وإلصاقها بالإمام الصادق وبغيره من الأئمة سلام الله عليهم.
وأقول : هذا كلام غريب ، وما أكثر الغرائب في كلام هذا الكاتب ، فإن المجاميع الحديثية الشيعية كلها كُتِبتْ في العصور التي سبقت الدولة الصفوية (حوالي