والسبب في أمرهم عليهمالسلام شيعتهم بكتمان علومهم هو أنهم كانوا يخشون أن تُذاع أخبارهم ، فتصل إلى خلفاء الجور فيتضررون عليهمالسلام منهم ، أو تقع عند ضعاف العقول الذين لا يفهمونها على وجهها ، فيصير ذلك سبباً لضلالتهم ومزيد تحيّرهم (١).
ومع تأكد النهي عن الإذاعة إلا أن بعض الشيعة كانوا يفشون كل ما يسمعونه من الأئمة عليهمالسلام ، إما لعدم معرفتهم بضرورة كتمانه ، أو لجهلهم بما يترتب على الإفشاء من الضرر ، أو لسهولة استدراجهم والتغرير بهم لإفشائه ، أو لضعفهم وتمكّن المخالفين من إجبارهم على البوح به ، أو لغير ذلك من الأسباب.
* * *
قال الكاتب : وقالت فاطمة الصغرى عليهاالسلام في خطبة لها في أهل الكوفة : (يا أهل الكوفة ، يا أهل الغدر والمكر والخيلاء ، إِنّا أهل البيت ابتلانا الله بكم ، وابتلاكم بنا ، فجعل بلاءَنا حسنا .. فكفرتمونا ، وكذبتمونا ، ورأيتم قتالنا حلالاً ، وأموالنا نهباً .. كما قتلتم جدَّنا بالأمس ، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت.
تباً لكم ، فانتظروا اللعنة والعذاب ، فَكأَنْ قد حَلَّ بكم ... ويذيق بعضكم بأس (٢) ما تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا ، ألا لعنة الله على الظالمين. تَبّاً لكم يا أهل الكوفة ، كم قرأت (٣) لرسول الله صلىاللهعليهوآله قبلكم ، ثمّ غدرتم بأخيه علي بن أبي طالب ، وجدي ، وبنيه وعِتْرَتِهِ الطيبين.
فرد عليها أحد أهل الكوفة مُفْتَخِراً ، فقال :
__________________
(١) مرآة العقول ٩ / ٢٨٦.
(٢) في الاحتجاج : بأس بعض ، ثمّ تخلدون.
(٣) في كتاب الاحتجاج ٢ / ٢٧ : (كم تراث لرسول الله قبلكم ، وذحوله لديكم ، ثمّ غدرتم بأخيه علي بن أبي طالب عليهالسلام جدي ، وبنيه عِتْرَة النبي الطيبين الأخيار). فانظر ما أصاب الكلمة من التحريف والغلط ، مضافاً إلى التحريف المتعمد السابق على هذه العبارة ، فراجع.