يقتضي البراءة عن جزئيّة كلّ بخصوصه ، ونتيجتها هي التخيير.
ولكن ما ذكرنا مختصّ بما إذا كان كلا الدليلين لفظيّا دالّا بالعموم الوضعي أو الإطلاقي ، أمّا لو كان أحدهما لبّيّا كدليل شرطيّة الاستقرار في الصلاة ، والآخر لفظيّا كدليل الركوع ، يقدّم الدليل اللفظي ، وهكذا إذا كان أحدهما بالعموم الوضعي والآخر بمقدّمات الحكمة ، يقدّم الوضعي.
فظهر ممّا ذكرنا أنّ الحقّ مع صاحب العروة في الفرع المذكور من أنّ الحكم هو التخيير ، فلا يقاس المقام بتكليفين مستقلّين ، لوضوح الفرق بينهما ، فإنّ هنا أمرا واحدا متعلّقا بشخص واحد لا يعلم متعلّقه في مقام الجعل ، وأنّه هل هو الصلاة قائما أو جالسا؟ وفي فرض العصيان يعاقب بعقاب واحد ، وهناك تكليفين مستقلّين متعلّق كلّ منهما بشيء مقدور للمكلّف في نفسه ، غاية الأمر أنّه يزاحم امتثال أحدهما امتثال الآخر ، وفي فرض العصيان يعاقب بعقابين بمعنى العقاب على الجمع في الترك.
فإذا كان المقام من باب التعارض لا التزاحم ، فلا وجه لملاحظة مرجّحات باب التزاحم من السبق في الزمان أو الأهمّيّة أو غير ذلك ، فيجوز للمكلّف اختيار أيّ منهما شاء ، ولا وجه أيضا للاحتياط اللزومي في سعة الوقت كما في العروة.
نعم ، وردت رواية في خصوص القيام من أنّه «إذا قوي فليقم» (١) يستفاد منها أنّ أيّ زمان يكون فيه قادرا على القيام يجب ، وإذا عجز يجلس ، فعلى هذا لو دار الأمر بين القيام في الركعة الأولى والجلوس في الثانية وبين العكس ،
__________________
(١) الكافي ٣ : ٤١٠ ـ ٣ ، التهذيب ٢ : ١٦٩ ـ ٦٧٣ ، و ٣ : ١٧٧ ـ ٤٠٠ ، الوسائل ٥ : ٤٩٥ ، الباب ٦ من أبواب القيام ، الحديث ٣.