فإنّ الإرادة التكوينيّة تتعلّق بالفعل من دون تخلل اختيار آخر ، وفي التشريعيّة تتعلّق بالفعل مع اختيار آخر.
مضافا إلى ذلك أنّ إرادة الله التشريعيّة عين جعله التشريعي ، كما أنّ إرادته المقدّسة التكوينيّة عين فعله الخارجي ، فتتفق الإرادتان في عدم تخلّف المراد عن الإرادة ، فإرادته التشريعيّة عين التشريع وجعل القوانين الإلهية المبتنية على المصالح الواقعيّة ، وقد تحقّق فلا يمكن تخلّف المراد فيها أيضا ، كإرادته التكوينيّة ضرورة امتناع تخلّف المعلول عن علّته التامّة.
فما ذهب إليه جمع من إمكان تخلّف المراد في التشريعيّة ووقوعه في الآثام والفسوق والعصيان ، يمكن الخدشة فيه بأنّ وقوع المعصية من الغير لا يرتبط بتخلّف المراد ، وهو التشريع عن الإرادة التشريعيّة ، فإنّه مستحيل كما عرفت ، ولكن تعلّقت إرادته ـ عزوجل ـ التشريعيّة بفعل الغير مع اختياره ، لتصحيح قانون الجزاء والثواب والعقاب ، فتكون الإرادة مطلقا هي الفعل ، سواء كان تكوينيّا أو جعلا للقوانين التي هي لتكميل الإنسان وإيصاله إلى السعادة الدائمة.
وقد نسب ذلك إلى بعض قدماء الفلاسفة اليونانيين مثل فرفوريوس وأصحابه ، الذين قالوا باتحاد العاقل والمعقول ، والتفصيل يطلب من محلّه.
ومن ذلك يظهر بطلان القول باختلاف الطلب والإرادة في إيمان العباد ، وأنّ تخلّف المطلوب عن الطلب ممكن وواقع ، بخلاف تخلّف المراد عن الإرادة ، فإنّه مستحيل كما عرفت ؛ لأنّ تخلّف المراد عن الإرادة في كلتا الإرادتين مستحيل ، وإرادته عزوجل للإيمان والطاعة لا يستلزم أن لا يتحقّق كافر ولا فاسق ، فإنّه تبارك وتعالى أرادهما من العبد باختياره ، فيكون اختيار العبد فاصلا بين الإرادة والمراد ، وقد ذكرنا ما يرتبط بهذا البحث في كتابنا (تهذيب الأصول) أيضا.