القسمان من الإرادة التكوينيّة والتشريعيّة معا ، والسنّة الشريفة حوت الإرادة التشريعيّة وبيّنت خصوصياتها.
وهذا التقسيم إنّما هو من باب الوصف بحال المتعلّق ، وإلا فلا فرق بين ذات الإرادة في الموردين.
ثم إنّ التشريعيّة إن كانت بالنسبة إلى الفعل ولم يستظهر من القرائن الداخليّة أو الخارجيّة الترخيص في الترك ، يعبّر عنها بالوجوب ، وإلا فهي الندب والاستحباب ، وإن كانت بالنسبة إلى الترك ولم يستظهر من القرائن الترخيص في الفعل ، يعبّر عنها بالحرام ، وإلا فهي الكراهة ، وبذلك تنتظم الأحكام التكليفيّة ، وقد أثبتوا أنّ الأصل في الأشياء الإباحة إلا مع الدليل على الخلاف.
وإرادة الله التشريعيّة ليست إلا لتكميل الإنسان ، فلو قلنا : بأنّ الإرادة التشريعيّة منه عزوجل غاية الإرادة التكوينيّة بل أصلها وأساسها ، لم يكن به بأس ، وعليه الشواهد الكثيرة ، ويصحّ العكس أيضا لشدّة ارتباطهما ، فقد ورد في العقل المجرّد سيد الأنبياء أحمد صلىاللهعليهوآله : «خلقت الأشياء لأجلك ، وخلقتك لأجلي» ، وقال الله تعالى بالنسبة إلى موسى بن عمران : (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) [سورة طه ، الآية : ٤١].
ولذا جعل بعض مشايخنا قدس سرّهم الإرادة التشريعيّة من التكوينيّة ؛ لأنّ التشريع من مراتب النظام الأحسن ، وهو متين جدا.
وقيل : إنّه لا وجه للإرادة التشريعيّة ؛ لأنّ إرادته تعالى إن تعلّقت بفعل الغير يتحقّق لا محالة ، فيتحقّق الجبر ، وحينئذ يكون فعله تعالى لا فعل الغير ، فالإرادة التشريعيّة باطلة.
وفساده واضح ؛ لأنّ الإرادة التشريعيّة تتعلّق بما يصدر من العبد مع إرادته واختياره ، فالإرادة تتعلّق بفعله مع تخلل القصد والاختيار ، وأنّه فاعل مختار ، ولعلّ تقسيم الإرادة إلى هذين القسمين لبيان الفرق بين متعلّقي الإرادتين ،