سنن الذين من قبلنا ، وأنّ هذه الأحكام سنّة الهيّة في شرع من قبلنا ، وهي غير قابلة للنسخ أصلا لما عرفت من أنّها امور فطريّة قرّرتها الشرائع السماويّة.
وإطلاق الآية المباركة يشمل جميع من قبلنا من الأنبياء والمرسلين من لدن آدم عليهالسلام حتّى عصر نزول القرآن ، فنكاح الام حرام في جميع الشرائع الإلهيّة وكذا نكاح الاخت والجمع بين الأختين ، بلا فرق بين شريعة آدم عليهالسلام وسنّة يعقوب وشريعة خاتم الأنبياء صلىاللهعليهوآله ؛ لأنّها تشتمل على مصالح واقعيّة وحكم حقيقيّة ، لا تختصّ بشريعة دون اخرى ، وأنّ غير ذلك ممّا يريده من يتبع الشهوات ، الذين يسعون في صدّ المؤمنين عن الوصول إلى الكمال وإخراجهم عن الصراط المستقيم.
ولكن هذه السنّة الإلهيّة قد تناولتها يد التحريف وزيغ المبطلين وشبهات الكاذبين المفترين ، شأنها شأن الفطرة المستقيمة التي لحقتها كثير من الشبهات والتأويلات ، حيث طمست نور الفطرة وبقيت هكذا ، حتّى ظهرت شريعة الحقّ وبيّنت الصحيح من تلك السنن وأمرت المؤمنين باتباعها ، ولكن بقي الصراع بينهم وبين من يريد اتباع الشهوات ، وأمرتنا تلك الآيات الشريفة بالابتعاد عن مكائدهم وخدعهم ، فإنّهم يتوسّلون بأشدّ الأشياء تأثيرا على الإنسان ، وهي الشهوات ، وقد منّ الله على المؤمنين أن وفقهم للتوبة والرجوع عن الباطل إلى الحقّ ، ولعلّ تذييل تلك الآيات الشريفة بقوله تعالى : (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) إشارة إلى ما ذكرناه.
وكيف كان ، فهذه الآيات المباركة ظاهرة في أن تلك الأحكام الاجتماعيّة كانت سنن الأنبياء والمرسلين ، ولا تختصّ بهذه الشريعة ، ولا نظر لها إلى سائر الأمور التي كانت في الشرائع الإلهيّة السابقة التي نسختها شريعة الإسلام.
فما قيل : إنّ ازدواج الإخوة بالأخوات كان سنّة آدم عليهالسلام ، والجمع بين الأختين كان سنّة يعقوب عليهالسلام.
باطل ؛ لأنّه ليس من السنن التي من قبلنا ، التي هدانا الله تعالى إليها.