ونسب إلى الغزالي في كتاب الاحياء جامعا بين الأقوال وخلاصته : أنّ مقياس الكبائر والصغائر على نحوين ، إما بقياس بعضها إلى بعض ، أو بملاحظة الأثر المترتّب على المعصية ، فقال : «أما الأوّل ، فإنّها بملاحظة بعضها إلى بعض تكون كبيرة وصغيرة ، وإن كانت بعض المعاصي تكبر بانطباق العناوين المهلكة الموبقة عليه ، كالإصرار على الصغائر ، فتصير المعصية كبيرة بعد ما لم تكن منها. ثمّ هي مع ذلك تنقسم إلى قسمين بالنظر إلى أثر الذنب ووباله وأثر الطاعة ، فتكون لهما حالات ثلاثة ، فأمّا أن يحبط أثر الذنب الثواب بغلبته عليه أو نقصه عنه إذا لم يغلبه ، فيزول بزوال مقدار ما يعادله من الثواب ، فإنّ لكلّ طاعة تأثيرا حسنا في النفس ، يوجب رفعة مقامها وتخلّصها من قذارة البعد وظلمة الجهل ، كما أنّ لكلّ معصية تأثيرا سيئا فيها ـ على خلاف أثر الطاعة ـ فيوجب انحطاط محلّها وسقوطها في هاوية البعد وظلمة الجهل. وأما أن يتصادم الأثران ويتحقّق التحابط في ما إذا فعل الطاعة والمعصية ، فيتصادم أثر الاولى مع أثر الثانية ، فإن غلبت ظلمة المعصية نور الطاعة وظهرت عليه أحبطته ، وهذه هي المعصية الكبيرة ، وإن غلبت الطاعة بما لها من النور والصفاء ، أزالت ظلمة الجهل ، وبوار الذنب ببطلان مقدار منها يعادل نور الطاعة ، فيبقى منه شيء تصفوا به النفس ، وهذا هو التحابط بمعنى غفران الذنوب الصغيرة وتكفير السيئات. وهذا النوع من المعاصي هي المعاصي الصغيرة. وإما أن تتكافأ السيئة والحسنة بما لهما من العقاب والثواب ، فهو وإن كان ممّا يحتمّله العقل بدوا ولازمه صحّة فرض إنسان أعزل لا طاعة له ولا معصية ، ولا نور لنفسه ولا ظلمة ، لكن يبطله قوله تعالى : (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ).
وردّ الفخر الرازي في تفسيره بأنّه يبتني على اصول المعتزلة الباطلة عندنا.
وشدّد النكير على الرازيّ بعض المفسّرين وقال : إنّ إنكار الأشاعرة لانقسام المعاصي إلى الصغيرة والكبيرة ، أرادوا به مخالفة المعتزلة ولو بتأويل ، كما