يعلم من كلام ابن فورك ، فإنّه صحّح كلام الأشعرية وقال : معاصي الله كلّها كبائر. وإنّما يقال لبعضها صغيرة وكبيرة لا بإضافة ، بل بحسب القصود ، وقالت المعتزلة : الذنوب على ضربين ، صغائر وكبائر ، وهذا ليس بصحيح.
أقول : هذا الموضوع واحد من تلك الموضوعات التي كثر الجدال فيها بين المعتزلة والأشاعرة ، وتعصّب كلّ فريق لمذهبه ، واستدلّ عليه بأمور عقليّة ونقليّة حتّى حدى ببعضهم إلى تأويل الآيات الكريمة والروايات لنصرة رأيه ، ولو كان لأجل مخالفة المذهب الآخر ، وقد شغل هذا النحو من الجدال مصنّفات الأعلام ، وغلب على أفكارهم ، فصرفوا جلّ اهتمامهم إلى ذلك ، فحرموا غيرهم ، بل حتّى أنفسهم من قريحتهم الفذة ، فصاروا وكتبهم فتنة افتتن بهما من بعدهم ، وأصبحت وسيلة لطمس الحقّ وأهله.
أما مقالة الغزالي ، فهي وإن كانت حسنة ثبوتا ، ولكن لا دليل عليها في مقام الإثبات ، بل هي تطويل ـ للمعاصي الكبيرة والصغيرة بما بيّنها الله تعالى في كتابه الكريم والسنّة المقدّسة ـ بلا طائل تحته ، كما فصّله الفيض قدس سرّه في إحياء الأحياء ، والنراقي قدس سرّه في جامع السعادات ، وكلمات الغزالي مشحونة من مثل هذه التشقيقات ، كما لا يخفى على من راجعها ، وسيأتي الكلام في الإحباط والتحابط بالنسبة إلى الثواب والعقاب ، ولا ربط لهما بالكبيرة والصغيرة ، مع أنّ ظواهر الآيات الشريفة والروايات تقسّم الذنب إلى الكبيرة والصغيرة بالنسبة إلى حيثيّة الصدور ، لا حيثيّة الأثر ، فخلط بين الحيثيتين ، وكم له من هذه المغالطات. وهناك وجوه اخرى لا يخفى فسادها على من راجعها.
والحقّ أن يقال : إن اختلاف العلماء في تعريف الكبائر وتعيينها لا يرجى زواله ، ولعلّ الحكمة في عدم تعيين الشرع لها ، هي الإبقاء على إبهامها وإجمالها ، ليكون العباد على وجل منها ، فلا تهتك حرمات الله تعالى فيها ، فلا يتجرّؤوا على ارتكابها اعتمادا على التكفير ، بل يعزموا على ترك المعاصي كلّها ، لاحتمال وجود