قوله تعالى : (وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ).
بيان لأحد مصاديق الحكم السابق ، وقد كلّف الله تعالى الرجال بالإنفاق على النساء ، لما خلقهم الله تعالى من القدرة فيهم على طلب الرزق ، وأعفى المرأة عن البحث عن الرزق ، ولم يضع عليها شيئا من التكاليف الماليّة على الرجال ؛ لأنّ الله تعالى خلقهنّ لأمر يخصّهن ، وهو تربية الأولاد والقيام بشؤون الاسرة ، ولم يسلب الإسلام الملكية عنهن كما يدّعيه بعض المعاندين ، فلم يحرمهن من التملّك ولا التصرّف في ما تملك ، بل لم يكلّفهن بالإنفاق من أموالهن إلا في موارد خاصّة.
وإنّما خصّ الإنفاق بالذكر ؛ لأنّه من أهمّ مصاديق القواميّة ، وتمهيدا لذكر أحكام الاسرة والزوجيّة.
قوله تعالى : (فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللهُ).
بيان لحالة الاسرة الصالحة والعائلة السعيدة ضمن المجتمع الإنساني الكبير ، تطبيقا لذلك الحكم الكلّي المبتني على الفطرة المستقيمة.
وقد صوّر عزوجل لنا الحياة داخل الاسرة التي تكون المرأة تحت رئاسة الرجل وقيمومته ، فذكر أمورا ثلاثة لسعادة هذه الحياة ، وهي : الصلاح والقنوت وحفظ الغيب.
ويراد من الأوّل الاستقامة ولياقة النفس ورضاها بما تمليه الفطرة السويّة.
والقنوت : هو دوام الطاعة والخضوع لله تعالى وامتثال أحكامه المقدّسة ، وفي الحديث «تفكّر ساعة خير من قنوت ليلة».
والغيب ـ والغياب والغيبة مصدر غاب ـ خلاف الشهود ، ولما كان للغيب حرمه ، فلا بد من حفظه ، وما في (بِما حَفِظَ اللهُ) مصدريّة والباء للآلة ، أي : بحفظ الله لهنّ ، أو تكون الباء للمقابلة ، اي : يحفظن الحقوق مقابل حفظ الله تعالى لحقوقهن وحرمتهن. ويصحّ أن يكون (ما) موصولة ، والعائد في (حفظ) ضمير