دين سلب ـ للحقوق ـ وابتزاز ، وهو لم يحرم أحدا ممّا خلقه الله تعالى ، لأجله بل الإسلام لم يكلّفها بأمور هي من شأن الرجل بمقتضى خلقته. ولذا نرى أنّ المرأة حينما تحرّرت ـ على ما تدّعيه الجاهلية المعاصرة ـ وصارت تنفق وتشارك الرجل في جميع ما خصّه الله تعالى به ورفضت قوامة الرجل عليها ، حلّ بالمجتمع أنحاء الشقاء وجلب التعب للإنسان وحرمه من السعادة المرجوة.
ولقد حفظ الإسلام حقوق المرأة بما تتطلبها خلقتها الأصليّة ، فذكرها عزوجل بأبلغ وجه وأحسن مدح ، قال تعالى : (فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللهُ) ، الذي يتضمّن الجانب الآخر من الحياة الاسريّة ، وهو حفظ العهود والقيام بشؤون الاسرة وتربية الأولاد بأمانة وصلاح.
ثم إنّ (قوامون) جمع قوّام فعّال مبالغة من القيام على الشيء ، أي : تدبيره والنظر فيه وإصلاح شؤونه وحفظه بالاجتهاد ، ومنه القيّم على الأيتام ، والمراد من المبالغة في المقام ، دوام قيام الرجال على النساء في إصلاح شؤونهن وتثقيفهن وتأديبهن ، وذكرنا أنّ هذه القواميّة من شؤون الفطرة ، وقرّرتها الشريعة ، فيثبت لهم ذلك بالاستحقاق بما اقتضته الحكمة الإلهيّة في الخلق وحسن النظام. وإطلاق الآية المباركة يشمل جميع أنحاء القيام الشرعي ، كما عرفت آنفا.
قوله تعالى : (بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ).
الباء للسببيّة متعلّقة ب : (قوامون) ، وعموم العلّة يقتضي عدم اختصاص الحكم بالأزواج وإن كانت الاسرة والزوجية من أظهر أفراد ظهور الحكم فيها ، ويدلّ عليه أخذ كلمتي (الرجال والنساء) في الحكم دون الأزواج ، فهو مجعول لجنس الرجال الذين فضّلهم الله تعالى في خلقتهم على النساء اللواتي خلقهن الله عزوجل لأمور اخرى ، وكلّ ذلك حسب ما اقتضته الحكمة الإلهيّة من خلق الصنفين من الإنسان بما زوّده من الفضل ؛ ليستقيم أمر الاجتماع وتستحكم الروابط ويشتدّ الارتباط وتنتظم الاسرة ويحسن النسل ، وقد كان فضل ذي فضل نعمة على المفضول.