المعروف والمرتكز في النفوس ، وهو الجور ومجاوزة الحدّ. وأنّه يتعدّى إلى مفعولين ، يقال : ظلمه حقّه ، وظلمه ماله ، ونحو ذلك لتضمّنه معنى الغصب والنقصان ، فعدّي إلى اثنين.
والمثقال : مفعال من الثقل ، وهو في الأصل مقدار من الوزن ـ أي شيء كان من قليل أو كثير ـ وفي الحديث عن نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : «لا يدخل النّار من في قلبه مثقال ذرّة من إيمان».
والذرّة قيل : إنّها الصغير من النمل ، وسئل ثعلب عنها فقال : «إنّ مائة نملة وزن حبّة ، والذرّة واحدة منها».
وقيل : الذرة ليس لها وزن ؛ لأنّها الهباء المبثوث في الهواء ، ويرى في شعاع الشمس الداخل من النافذة.
والصحيح أنّها مثال للشيء المتناهي في الصغر ، وإنّما ضرب المثال بالذرّة لأنّها أقلّ شيء ممّا يدخل في وهم البشر في عصر النزول ، وإلا فإنّ العلوم الطبيعيّة المعاصرة قد أثبتت أشياء أصغر منها بكثير لا ترى بالعين المجرّدة.
وإنّما عبّر عزوجل بالمثقال للإشارة إلى أنّه وإن كان شيئا حقيرا ووزنا قليلا لكنّه عظيم عند الله عزوجل والظلم فيه كبير.
والآية الشريفة تدلّ على نفي الظلم عنه عزوجل ؛ لمنافاته لحكمته المتعالية ، وهذا هو المشهور بين العدليّة والحكماء المتألّهين ، أو لأنّ الظلم يستلزم الجهل ، وهو منزّه عنه جلّت عظمته ، فإنّه عالم بجميع الأشياء ، لا يعزب عن علمه شيء ، فيرجع نفي الظلم عنه إلى نفي الجهل ، وهو من صفات الذات ، أي : أنّ ذاته تبارك وتعالى التي تكون جامعة لجميع صفات الكمال ، لا يتصوّر في حقّها النقص الذي هو الظلم ، وذيل الآية الشريفة يدلّ على ما ذكرناه ، فإنّ مضاعفة الحسنة لا بد أن تكون عن علم بجميع خصوصيات المنعم عليه والنعمة والفضل والزيادة.