دركها بحقيقتها وكنهها ، ولا يمكن أن يصل إليها عقول البشر ، فالله تعالى عالم ، أي : ليس بجاهل ، لأنّ حقيقة علمه عزوجل لا يمكن دركها ولا تصل إليها فهم الإنسان ، فإنّ ذلك في الصفات الكماليّة التي يجب أن يتصف بها الذات المقدّسة ، وإلا استلزم النقص بالنسبة إليها ، لا الصفات السلبيّة التي يجلّ أن يتصف بها.
ثم إنّه جلّت عظمته منزّه عن الظلم ، كما دلّت عليه الأدلّة الكثيرة ، فمن الكتاب آيات عديدة ، منها قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [سورة يونس ، الآية : ٤٤] ، وقوله تعالى : (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) [سورة الكهف ، الآية : ٤٩].
ومنها : الآية التي تقدّم تفسيرها : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها) ، والمستفاد من هذه الآية الشريفة امور :
الأوّل : أنّ عدم وقوع الظلم منه لا عن نقص في القدرة الأزليّة ، بل لأجل أن حكمته اقتضت أن لا يظلم أحدا ، وهذا هو معنى العبارة المعروفة : «إنّ الله لا يظلم لحكمة ، لا لقدرة» كما تقدّم ، فإنّ قدرته تامّة كاملة قد تعلّقت بجميع الأشياء حتّى الممتنعات ، ولكن الحكمة الإلهيّة اقتضيت أن لا يفعل ذلك ، وهو لا يفعل شيئا خلاف الحكمة ، فإنّ الذي يقدر على مضاعفة الحسنات لقادر على سلبها عن صاحبها ، ولكنّه لا يظلم أحدا.
الثاني : أنّ وقوع الظلم منه يستلزم الجهل ، وهو منزّه عنه تعالى ، فيرجع نفي الظلم عنه إلى علمه الأتم بحقائق الأشياء ، والظالم يجهلها فيظلم.
الثالث : استغناؤه عن الظلم ، فلا غرض له يتعلّق به ، وهو منزّه عنه ؛ لأنّ الله تعالى يضاعف الحسنات ويعطي الأجر العظيم لمن استحقّه ، فهو أجلّ من أن يسلبه عنه.
ثم إنّ نفي الظالم عنه تعالى لا يثبت العدل له جلّت عظمته ، بخلاف العكس كما هو واضح.