دليل عليه ، وقد ردّه جمع من المفسّرين ، منهم الرازي فقال : «بأن هذا القول خرق للإجماع المركّب ، فإنّ الأقوال في أهل الحلّ والعقد أربعة ، وهي الخلفاء الراشدون ، وأمراء السرايا ، والعلماء ، والأئمة المعصومون ، وليس فيهم هذا القول ، مضافا إلى أنّه لم يقم دليل على عصمتهم» ، إلا أنّه ارجع هذا القول الى القول الثالث ، ولكنّه باطل أيضا ، فهذا الوجه باطل أيضا ، والقول بأنّ عصمة أهل الحلّ والعقد أمر خارق للعادة لا دليل عليه.
الا أن يقال : إنّ العصمة فيهم ترجع الى تعاليم الإسلام وتربيته ، فإنّه استند ذلك على قواعد متينة واصول دقيقة ، فهي أمر طبيعي مترتّب على تلك التعاليم الإلهيّة ، فأهل الحلّ والعقد إنّما عملوا بتعاليم الإسلام ، وتهذّبوا بأخلاقهم ، فهم لا يغلطون في ما اجتمعوا عليه ، ولا يتعرّضون الى خطأ في رأيهم.
ولكن هذا القول أيضا باطل بالوجدان ، فكم من أهل الحلّ والعقد على زعمهم صدر منه المعصية وأوقع نفسه وأمته في الضلال ، فلو كان الأمر كما ذكره لظهر أثره على من يراهم من أهل الحلّ والعقد ولم يتغلّب الفساد والباطل.
فلا مناص من القول بأنّ أهل الحلّ والعقد كسائر أفراد الناس يجوز عليهم الخطأ والغلط ، مهما بلغت بهم الخبرة والتدريب والتجربة.
اللهم إلا أن تقول بأنّ هذا الخطأ والغلط لا بأس به إذا كان المناط هو تقديم مصلحة الامة وسعادتها ورقي أفرادها ، نظير القوانين الوضعية التي تتصدّى بها جمعية منتخبة تحكم على المجتمع ، فتصدر قوانين حسب ما تراه من مقتضيات الأحوال ومتطلبات الوضع ، وفي الإسلام أيضا كذلك ، فإنّ أهل الحلّ والعقد قد يفسّرون حكما من أحكام الدين بغير ما كانوا يفسّرون سابقا بما يوافق مصلحة الامة ، وقد صرّح بعض الكتاب المحدّثين : «أنّ الخليفة يعمل بما يخالف صريح الدين ؛ حفظا لصلاح الامة».
وهذا الرأي أيضا باطل ، فإنّه يبتني على أصل التطور ، وأنّ الدين ليس إلا