أقول : ذكرنا أنّ المشيئة والإرادة حقيقة واحدة ، وإنّما تختلفان بالكليّة والجزئيّة ، والحديث يبيّن أنّ المشيئة حادثة ، وليس المراد من خلقها بنفسها كونها موجودا جوهريّا خارجيّا ، بل المراد بذلك تقديرها في نظام العالم يدبّر بها المخلوقات.
ومنها : رواية أبي سعيد القمّاط عنه عليهالسلام أيضا : «خلق الله المشيئة قبل الأشياء ثمّ خلق الأشياء بالمشيئة».
أقول : المراد بالقبليّة هي الرتبة الواقعيّة لا الزمانيّة ، وهكذا في «ثمّ».
ومنها : رواية بكير بن أعين قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : علم الله ومشيئته مختلفان أو متفقان؟ فقال عليهالسلام : العلم ليس هو المشيئة ، ألا ترى إنّك تقول : سأفعل كذا إن شاء الله ، ولا تقول : سأفعل كذا إن علم الله ، فقولك : إن شاء الله دليل على أنّه لم يشأ ، فإذا شاء كان الذي شاء كما شاء ، وعلم الله السابق المشيئة».
أقول : الحديث يدلّ على أنّ المشيئة منبعثة عن العلم الربوبيّ ، فلا يعقل كونهما في مرتبة واحدة ، كما هو الأمر في علمنا ومشيئتنا.
ومنها : صحيحة محمد بن مسلم عن الصادق عليهالسلام قال : «المشيئة محدثة».
أقول : لأنّ كلّ ما كان منبعثا عن مرتبة الذات محدث لا محالة ، والمراد به هو الحدوث الذاتي منه ، لا الزماني ، وإن تحقّق الثاني في سلسلة المتدرّجات.
ومنها : صحيحة عاصم بن حميد عن أبي عبد الله الصادق عليهالسلام : «قلت : لم يزل الله مريدا؟ قال عليهالسلام : إنّ المريد لا يكون إلا المراد معه ، لم يزل الله عالما قادرا ثم أراد».
أقول : الحديث يفسّر حقيقة إرادته تبارك وتعالى بمقدّماتها ، وبيّن أيضا أنّ من مقدّمات الإرادة العلم والقدرة ، فتكون الإرادة منبعثة عنهما ، فتكون حادثة ولم يبيّن عليهالسلام أنّها الفعل ، لأنّه عليهالسلام ليس في مقام بيان ذلك.