هو في بعض المراتب النازلة من مراتب القضاء والقدر ، وفوقه مراتب أخرى ، إلى أن ينتهي إلى اللّوح المحفوظ الّذي رقّم فيه جميع ما هو كائن إلى يوم القيامة قبل خلق العالم. ويشبه أن يكون هو أمّ الكتاب (١) ، الّتى يتولّد منها أحكام القضاء مرتبة بعد مرتبة ، إلى أن ينتهي إلى تفصيل أحكام كلّ سنة في ليلة القدر منها.
وحينئذ فنزول القرآن جملة واحدة يصحّ أن يكون من عالم اللّوح المحفوظ دفعة إلى مرتبة تحتها ، ثمّ نزوله منها في مرتبة ثالثة في كلّ سنة بقدرها ، ثمّ نزوله في هذا العالم في أجزاء اللّيالي والايّام. ويشبه أن يكون المرتبة الثانية هي البيت المعمور ، أو باطنه وروحه وهو مظهره ، كما روي.
وأمّا ما ذكره المحدّث الكاشاني بقوله : «كأنه أريد به نزول معناه على قلب النبيّ صلىاللهعليهوآله» (٢) ، فان أراد به أنّ البيت المعمور هو قلبه صلىاللهعليهوآله فهو فاسد ؛ إذ هو من أجزاء العالم الكبير وقد ورد ذكره في الاخبار (٣) ، وللقرآن مراتب نزولية في العالم الكبير. وإن أراد به أنّه مساوق لمقام قلبه بحيث إذا نزل فيه اطّلع قلبه صلىاللهعليهوآله عليه لاتّحادهما رتبة ، فهو ليس بذلك البعيد ؛ إذ أريد بالقلب ما يسمّى به قلبا باصطلاح جماعة من أهل المعرفة ، إلا أنّ ذلك المقام لا يأبى عن الالفاظ حين ينزّل النزول إلى المعاني ، بل الالفاظ بنفسها ممّا يصحّ نزولها فيه ، وليس تنزيل نزول القرآن إلى نزول المعاني الصرفة ، إلا تأويلا من دون سبب
__________________
(١) لقد ذهب اليه جمهور المفسرين.
(٢) راجع الصافي ، ج ١ ، المقدمة التاسعة ، ص ٤٢.
(٣) راجع البحار ، ج ٥٨ ، باب البيت المعمور. وانه (ره) ذكر فيه روايات من الخاصة والعامة يستفاد منها أن البيت المعمور هو في السماء الرابعة ، وانه قد سمي : «الضراح».