الْحَدِيثِ.» (١)
وله وجود إجمالي قبل التفصيل. لعلّ إليه الاشارة بقوله تعالى : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ.)(٢)
وهو الاصل ، والباقي تنزّلاته ومراتبه وشؤونه بمنزلة أصل الشجرة بالنسبة إلى ساقه وأغصانه. ولعلّ إلى هذه المقامات الاشارة باطلاق الانزال والتنزيل على القرآن في مواضع كثيرة.
ثمّ إن له صعودا ايضا ، فانّ القرآن اللّفظيّ الصادر عنّا يتمثّل بمثال ويتشكّل بصورة جوهريّ في عالم أرفع من هذا العالم ، على ما تحقّق وثبت في محلّه بالآيات والاخبار الكثيرة الواردة في الموارد الكثيرة ، المعتضدة بالاستبصارات العقليّة وغيرها ، من أنّ الاعمال الحسنة والسيّئة تتجسّم وتتمثّل وتبقى في عالم البرزخ مع الميّت ؛ وقرائة القرآن منها ، بل من أولى أفرادها بهذا الحكم ، وكتابة القرآن أيضا عمل يتجسّم كذلك.
وحينئذ فيتحقّق في القرآن قوسان ؛ قوس نزول ينتهي إلى وجوده اللّفظيّ والكتبيّ الواقع في هذه النشأة ، وقوس صعود واقع في عالم البرزخ ، كما هو الحال في حقيقة الانسان.
ثمّ إنّ حقيقة القرآن ليس مقصورا على عالم الالفاظ والنقوش الواقعة في عالم الملك والملكوت ، بل مداليل الكلمات القرآنيّة أحقّ بالدخول في حقيقة القرآن منها ، ولها وجود في عالمها المعنويّة ، فهي أيضا يصحّ أن تعدّ مقاما آخر له ، ومراتبه المتعدّدة تنتهي إلى حقيقة الاسم الالهيّ ، الّذي هو المبدء للقرآن. ويشبه أن يكون هو حقيقة اسم الهادي والنور ، الّذي ربّما أطلق اسمه على القرآن في مواضع.
__________________
(١) الزمر / ٢٣.
(٢) هود / ١.