واستظهر أن يكون هو المراد لأكثر اللّغويين والفقهاء وإن اختلفت عباراتهم. ويشبه أن يكون الجامع لجميع ما ذكر عدا ما عن قطرب ، الترسّل والتأنّي والتؤودة والتمهّل فيها ، فلا يكون هذّا كهذّ الشعر على ما عن ابن الاثير من تفسيره بترك الاسراع فيه وترك الافراط في التمهّل ، فيكون نثرا كنثر الرمل أو الدقل على أحد الاحتمالين ، وتبيين الحروف وإظهارها ، وترك المبالغة فيه ، وتوفية حقّها من الاشباع ، وبيان الحركات ، والمحافظة على نظمه وتواليه بحيث يحسن تأليفه ، ويحفظ وقوفه. وهذا قريب ممّا سبق عن المدارك.
ولعلّ الجامع لها هو : إفصاح الكلام وإظهاره مادّة وهيئة على الوجه الّذي ينبغي أن يكون عليه ، بحيث يكون ظاهر الأجزاء منفصلة الابعاض مع بقاء نظامها ، وارتباط بعضها مع بعض ؛ كالثغر المرتّل الّذي انفصل أسنانه ، مع بقاء نسقه ونظامه ، ولزومه محلّه الّذي ينبغي أن يكون عليه.
وأمّا سؤال الجنّة والنار ، فلم يعلم من الاخبار كونه معنى الترتيل ، فلعلّه من لواحق الترتيل ؛ إذ الكلام الصادر على الوجه المذكور يكون منشرح المعاني للقارئ ، فيناسب إلحاق السؤالين المفروضين بالقرائة ؛ كقول لبّيك عقيب الخطابين ، وكذا الوقوف عند عجائبه ، وتحريك القلوب وتقريعها وتفزيعها.
ويمكن أن يقال : إنّ هيهنا ترتيلا صوريا في لفظ القرائة ، وترتيلا معنويا في معانيها الواردة على القلب ، وترتيلا في الحالات المنبعثة عن تلك المعاني الواردة عليه ؛ فتبيين للقلب ، وتبيين للمعنى لعلّه المراد من الوقوف عند عجائبه ، وتبيين للحالة الحادثة من ذلك المعنى من طلب جنّة واستعاذة من نار في القلب مؤكّدا إيّاهما باجرائه على اللّسان ، أو حالة إجابة نداء الحقّ ، كذلك. ولعلّه المراد من إقراع القلب وإفزاعه وتحريكه ، وكذا التأنّي في اللّفظ والمعنى والحالة ، وكذا حسن التأليف في كلّ منها ، فتدبّر.