موجودان في النسخ ، وتحزين النفوس بآيات الوعيد ظاهر ، وأمّا آيات الوعد ، فللخوف من الحرمان وعدم الاستعداد ، كذا قيل ؛ لكن أكثر الآيات بظاهرها خارجة عن كلتا الطائفتين. ويصحّ أن يلاحظ فيها أمورا يحزن به النفس من جهات عديدة ، فيلاحظ في الآيات المشتملة على ذكر النعم العامّة والتقصير في شكرها ، وفيما دلّ على صفات الحقّ بعدم القيام بواجب حقّ عبوديّته ، وما اشتمل على نعمه على بعض العباد باستشعار أنّ فقدها له لقصوره إن كان مفقودا له ، والتقصير في الشكر إن كان مثله موجودا ، وغير ذلك من الوجوه المناسبة. وكما يمكن تحزين النفس بالقرآن يمكن إثارة البشارة والرجاء منه ولو من آيات الوعيد لكون الانتقام من الاشقياء نعمة على السعداء لأنّهم أعدائهم ، وإثارة المحبّة منها بملاحظة صفات الله سبحانه الذاتيّة والفعليّة في جملة أفعاله وحكمته وعدله وسنّته في الماضين والغابرين ، وعجائب تدبيره. فينشرح منها القلب بالمعرفة والمحبّة واستثارة الحياء لمشاهدة عظمة المتكلّم في كلامه الحاكي عن جلاله وجماله ، ومشاهدة القصور والتقصير ، ونفود حكمه ومشيّته ، وسعة قدرته وحلمه وكرمه في طيّ أفعاله وصنائعه وأحكامه.
ولعلّه عليهالسلام اقتصر على الاوّل لكون التحزين أقرب إلى مقام العبوديّة والخضوع والاستكانة للحقّ ، وأقرب إلى شمول الرحمة له بالتدارك ، وأقمع للنفس عن هواه وكبره وأنانيّته من الرجاء ، مع أكثريّة الزواجر في القرآن عن المبشّرات لاقتران المبشّرات نوعا بشرائط وخصوصيّات غير متحقّقة الحصول للعبد.
وأمّا المحبّة والحياء ، فاستثارتهما من القرآن موقوف على علوّ مقام في المعرفة ، وصلاح القلب لا تحضر لأغلب العباد في أكثر أوقاتهم. ويحتمل أن يراد من تحزين القلب بالقرآن تحزينه بما اشتمل ظاهره على ما ينبغي الحزن بسببه ، لا