وعلما لمن وعى ، وحديثا لمن روى ، وحكما لمن قضى.
نحمدك اللهمّ يا من تجلّى لعباده (١) في كتابه من غير أن يكونوا رأوه بما أراهم من قدرته ؛ وخوّفهم من سطوته ، وكيف محق من محق بالمثلات ، واحتصد من احتصد بالنغمات (٢)؟ الّذي بعث محمّدا صلىاللهعليهوآله بقرآن قد بيّنه وأحكمه ، ليعلم العباد ربّهم إذ جهلوه ، وليقرّوا به إذ جحدوه ، وليثنوه بعد إذ أنكروه. فهو الناصح الّذي لا يغشّ والهادي الّذي لا يضلّ ، والمحدّث الّذي لا يكذب ؛ ما جالسه أحد إلّا قام عنه بزيادة أو نقصان ، زيادة من هدى ونقصان من عمى ؛ ليس على أحد بعد القرآن من فاقة ، ولا لأحد قبله من غنى ، وفيه شفاء من أكبر الداء وهو الكفر والنفاق والغيّ والضلال ، وما توجّه العباد إلى الله بمثله ؛ ظاهره أنيق وباطنه عميق ، لا تفنى عجائبه ولا تكشف الظلمات إلّا به ؛ آمر زاجر وصامت ناطق ، حجّة الله على خلقه أخذ عليهم ميثاقه ، وارتهن عليه أنفسهم ، أتمّ نوره وأكرم به دينه ؛ شافع مشفّع ، وقائل مصدّق ؛ من شفع له القرآن يوم القيامة شفّع فيه ، ومن يمحل به القرآن يوم القيامة صدّق عليه ؛ قد اوصينا بأن نستشفي به أدوائنا ، ونستعين به على لأوائنا ، ونستدلّ به على ربّنا ، ونستنصحه على أنفسنا ، ونتّهم عليه آرائنا ، ونستغشي فيه أهوائنا (٣).
والصّلوة والسّلام على عبده ورسوله الّذي أرسله بالدّين المشهور والعلم المأثور والكتاب المسطور والنور الساطع والضياء اللّامع والأمر الصادع محمّد صلىاللهعليهوآله موضع سرّه وملجأ (٤) أمره وعيبة علمه ، وموئل حكمه ، وكهوف كتبه ، وجبال دينه ؛ أساس
__________________
(١) في المخطوطة : «لعبادك».
(٢) في النهج : «النقمات».
(٣) من أوّل خطبة الكتاب إلى هنا مأخوذة من كلمات أمير المؤمنين ـ عليهالسلام ـ ، فراجع نهج البلاغة ، خ ١٩٨ و ١٤٧ و ١٧٦ و ١٨ و ١٨٣.
(٤) في المخطوطة : «لجأ».