الرحم والرضا والغضب وأشباهها ليس باعتبار تحقّق الآثار فقط مجرّدة عن المبادي بل باعتبار مبادي تلك الافعال التي هي الاصل لها.
فحقيقة الرحمة والرحم هو المعنى الذي باعتباره يرحم الممكنات ، وهو حقيقة اسم الرحمة من أسمائه سبحانه المخلوقة ؛ كما يشهد له ما روي في المشهور وأورده في المجمع عن النبيّ صلىاللهعليهوآله :
«إنّ لله عزوجل مائة رحمة ، أنزل منها واحدة إلى الارض فقسّمها بين خلقه ، فبها يتعاطفون ويتراحمون ، وأخّر تسعا وتسعين [لنفسه] يرحم بها عباده يوم القيامة.» (١)
وعن تفسير الامام عليهالسلام معناه عن أمير المؤمنين عليهالسلام. (٢)
وحينئذ فانكسار القلب سبب لظهور تلك الرحمة المنفصلة في القلب ، فيعطفه على المرحوم كظهورها في الآباء والامّهات والارحام وغيرهم بالنسبة إلى الاولاد والقرابات وغيرهم ، وكلما كان القلب أصفى كان ظهور الرّحمة بالنسبة إلى الخلق أتمّ.
ولعلّه المراد بالتخلّق بأخلاق الله ، وحينئذ فاطلاق الرحمن والرحيم على الله سبحانه باعتبار كونه ذا الرحمة الواسعة ومبدء لها وجاعلا لها ، وقيامها به قيام صدور لا قيام حلول ، كما يوصف الانسان بصفات أفعاله من الكلام وغيره بخلاف توصيف الناس به ، فانّه باعتبار كونه محلا للرحم ، ومظهرا له في وجه يظهر به حصر الرحمة في الحقّ ، وأنّه لا راحم على الحقيقة إلا هو ، وأنّ له الرحمة المطلقة
__________________
(١) مجمع البيان ، ج ١ ، ص ٢١ ؛ والصافي ، ج ١ ، ص ٥١.
(٢) تفسير الامام ـ عليهالسلام ـ ، ص ١٣ ؛ والبحار ، ج ٩٢ ، باب فضائل سورة الفاتحة وتفسيرها ، ص ٢٥٠. وقوله ـ عليهالسلام ـ : «ومن رحمته أنه خلق مائة رحمة ، وجعل منها رحمة واحدة في الخلق كلهم. فبها يتراحم الناس ... فاذا كان يوم القيامة أضاف هذه الرحمة إلى تسعة وتسعين رحمة ، فيرحم بها أمة محمد ـ صلىاللهعليهوآله ـ.»