عطفه ، وفي الله عطفه وبرّه ورزقه وإحسانه.» (١)
والتحقيق أنّ الّذي يظهر لنا في مورد الرحمة في الخلق رقّة وانكسار في قلب الراحم ، ثمّ عطف القلب نحو المرحوم ، ثمّ ما يترتّب عليه من الافعال المنبعثة عن ذلك من إصلاح أمر المرحوم ، وكشف ضرّه ، وجبر فاقته ، ورفع حاجته ، ويشبه أن يكون الاوّل سببا لحصول الرحمة والثالث ثمرة له وأثرا مترتّبا عليه ، ويكون حقيقة الرحم هو الامر الثاني. ويستظهر ذلك بملاحظة ظهور بساطة المعنى وعدم تركّبه من أمرين مختلفين : انفعال من شيء وفعل. وحينئذ فملاحظة عدم كون الاوّل متعدّيا بل لازما لا يتجاوز بنفسه إلى المفعول ، مع أنّ الرحم يتعدّى إليه بلا واسطة تقتضي بنفي الاوّل ، والمقصود من اللّزوم والتعدية هو كون المعنى بنفسه واقعا على الفاعل أو متجاوزا منه إلى غيره بنفسه ، وهو الاصل في التعدية واللّزوم اللّفظيّين. وملاحظة كون الرحم من الصفات الباطنية دون الافعال الخارجيّة فيقال : رحيم القلب ولا يقال : رحيم الفعل ، تشهد بأنّ الفعل الخارجي منبعث عنه ومظهر له باعتبار ما يصحّ إطلاق الرحم والرحمة عليه ، لا أنّه عينه.
وحينئذ فالظاهر كون أصل الرحم هو العطف الحاصل للراحم نحو المرحوم المنبعث عن ملاحظة حاجته وضرّه ، المقتضي لاصلاح شأنه وجبر كسره. وحينئذ فلا بعد في أن يقال ، إنّ إطلاق الرحم على الله سبحانه على نحو الحقيقة اللّغوية ، وأنّ الحكم بالمجازيّة ناش من عدم تجريد أصل المعنى من الاغشية اللازمة له بحسب الموارد المحسوسة ؛ كملازمة الانكسار والانفعال للرحم فينا بحيث لا يكاد يوجد إلا منبعثا عنه ، وليس إطلاق الرحم على الله سبحانه مقصودا على اعتبار أخذ الغاية والاثر ، وإلغاء المبادي التي هي المعاني الاصليّة كما يظهر منهم ، بل لأفعال الله سبحانه مبادي وجوديّة عينيّة على التحقيق هي حقيقة معاني الالفاظ. فاطلاق
__________________
(١) الكلام للطريحي (ره) ، راجع مجمع البحرين.