التبجيل للممدوح سواء كان لنعمة وغيرها. ومن زاد على ما ذكرناه أوّلا اعتبار كونه على قصد التعظيم ولا حاجة إليه ؛ إذ لو أريد منه وقوعه على جهة التفضيل المقابل للتهكّم ونحوه فهو مدلول عليه بلفظ الثناء ، وإن أريد أزيد من ذلك فاعتباره غير ظاهر ، بل الظاهر خلافه.
والمدح أعمّ منه مطلقا ويقابله الهجاء ؛ إذ المدح توصيف للحيّ ولغير ذي الحياة ؛ كاللّؤلؤة والياقوتة الثمينة بخلاف الحمد ، وأعمّ من كون التوصيف على الامر الاختياريّ أو غيره بخلاف الحمد المختصّ بالاوّل في وجه اختاره جماعة ؛ إذ لا يقال : حمدته على صباحة خدّه ، ويقال : مدحته عليه.
وزاد بعضهم (١) : أنّ المدح أعمّ من أن يكون قبل الاحسان أو بعده ، والحمد إنّما يكون بعده ، وهو بعيد جدّا.
ولعلّ منشأ الوهم أنّ عمدة الفضائل الاختياريّة عند العرب هو الكرم ، فظنّ الاختصاص به ، أو أنّه لا ينبغي الثناء إلا من المنعم عليه على المنعم ، فظنّ أنّ غيره ليس بحمد. وما أبعد بينه وبين ما يظهر منه أنّهما مترادفان كعبارة «الفائق» (٢) ، وهو أيضا ضعيف.
ولو ورد في كلام العرب إطلاق الحمد على المعنى الاعمّ لم يكن بعيدا لكثرة التوسعة والمجازات في كلامهم ، كما أنّ كثرة وروده في مورد الاحسان لا يصير دليلا على تخصيص أصل المعنى به ، كما يفصح عنه مقابلته بالذمّ الّذي لا يختصّ بالبخل وترك الاحسان ، بل يحتمل أن يكون مطلق الثناء على القادر العالم حمدا وإن كان باعتبار صفاته الذاتيّة الخارجة عن الاختيار والاكتساب. واختاره بعض
__________________
(١) المراد من بعضهم هو : النيشابوري ، راجع تفسيره ، ج ١ ، ص ٣٠.
(٢) وعبارته هي : «الحمد هو المدح والوصف بالجميل.» كما في رياض السالكين ، دعاء ٢١ ، ص ٢٢٠.