والمجرى بيده النعمة ؛ كما ورد في دعاء الصحيفة السجادية :
«وأنت من دونهم ـ يعني : المعطين والمانعين ، أو مطلق المخلوقين ـ وليّ الاعطاء والمنع.» (١)
وأمّا إذا لم نأخذ في المراد منه ذلك والقيد فوجه الاختصاص أن يقال : إنّ المراد باختصاص ماهيّة الحمد به ليس أنّه لا يحمد في الخارج سواه لكثرة ما يحمد غيره ، بل إنّه ممّا يستحقّه الحقّ من الخلق ، ومن جملة حقّه الثابت عليهم بحيث لو لم يفعلوا كانوا مقصّرين في أداء حقّه الثابت عليهم ، ولا يستحقّ الحمد بهذا المعنى أحد من المخلوقين وإن استحقّ فاعل الحسن الحمد بمعنى أنّه لو مدح به لكان صحيحا عند العقل ، موضعا للشيء موضعه الّذي ينبغي أن يوضع فيه عقلا ، لا أنّه يستحقّ من غيره أن يمدحوه به على معنى أنّه لو لم يفعل لكانوا مانعين حقّه. فهيهنا فرق واضح بين استحقاق الديّان من المديون دينه ، واستحقاق الفقير للبذل له ، وإن عبّر بلفظ واحد في المقامين. فالاستحقاق في الثاني بمعنى أنه لو أعطى شيئا لكان في محلّه ؛ إذ له أهليّة ذلك ، وفي الاوّل أنّه يطلبه منه ، وله حقّ ثابت عليه لو منعه كان متعدّيا ، فالفرق بينهما كالفرق بين الجواز وبين الرجحان والوجوب. فالحمد حقّ لله ثابت له على وجه الاطلاق بحكم العقل ، وليس لأحد حقّ الحمد على غيره وإن كان في فاعل الحسن صحيحا ؛ لكنّ الحامد متفضّل بالحمد على العبد المحمود ، كما أنّ المعطي متفضّل على الفقير المستحقّ ، بخلاف حامد الحقّ ؛ إذ هو تأدية لحقّ من حقوقه الغير المتناهية ، مع كون هذه التأدية أيضا نعمة منه سبحانه على الحامد.
فالاستحقاق في الواجب إلزام وترجيح ، وفي الممكن تجويز وترخيص ؛ كيف ولو كان فاعل كلّ حسن مستحقّا من غيره المدح لكان الّذي ينبغي عند العقل أن
__________________
(١) الصحيفة السجادية ، دعائه ـ عليهالسلام ـ في مكارم الاخلاق (د ٢٠).