وقيل :
«لا شكّ أنّ الوجود خير من العدم ، وأنّ وجود كلّ ما سوى الله فانّه حصل بايجاد الله وجوده ، فانعام الله تعالى واصل إلى كلّ من سواه. فاذا قال : «الحمد لله» فكأنّه قال : الحمد لله على كلّ مخلوق ، وعلى كلّ محدث أحدثه من نور وظلمة ، وسكون وحركة ، وعرش وكرسيّ ، وجنّي وإنسيّ ، وذات وصفة ، وجسم وعرض من أزل الآزال وأبد الآباد.» (١) انتهى.
وأنت إذا لاحظت إفادة الجملة الخبريّة للثبات والدوام ، ولاحظت عموم الحمد من الجهة المتقدّمة لجميع الانواع والافراد الصادرة من كلّ حامد ، فربّما أفادت هذه الكلمة باختصارها لك أنّ المحامد الّتي أتى بها الاوّلون والاخرون من الملائكة والثقلين لله تعالى ، وكذا المحامد الّتي سيذكرونها إلى وقت قوله تعالى : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(٢) ، وإلى أبد الآبدين ودهر الداهرين. وأنّ كلّ حمد يصحّ أن يقع حمدا بجهة من الجهات المتصوّرة ، فهي ثابتة له سبحانه بحيث لا يبقى ثناء متصوّر لأحد باعتبار إلا وهو حقّ لله سبحانه. فيدلّ على استجماعه سبحانه جميع شؤون المحموديّة ، بحيث لم يبق شأن منها وجهة من جهاتها إلا وهو متحقّق وثابت له سبحانه. وأنّ كلّ حمد صدر من أحد لغيره سبحانه باعتبار جهة من الجهات ، فانّه لا يستحقّه وإنّما المستحقّ له هو الله سبحانه ، حتّى لو وقع الحمد على فاعل فعل من الافعال الاختياريّة وباعتباره ، فانّ الله أولى بحسنات العبد من نفسه ، وهو أولى بسيّئاته ؛ كما ورد في الخبر
__________________
(١) الكلام للنيشابوري ، راجع تفسيره ، ج ١ ، ص ٣١.
(٢) يونس / ١٠.