لله» على ثبوته له سبحانه مع الانحصار ، فلا تستحقّ غيره المحبوبيّة لهذه الجهة.
ومن أعظم أسباب الحمد ومعناه وصف الجود والكرم والنعت به ، وهو يبعث الرجاء. وأمّا الوصف بأنّه ربّ العالمين ، فهو محرّك للحبّ باعتبار أنّ المربوب لا ينبغي أن يحبّ إلا ربّه ، وبأنّ كلّ خير فرض فيه وفي كل من وجد خيرا ما ، وكلّ شرّ فرض اندفاعه عنه أو عن غيره من كلّ من سلم من شرّ ما فهو من ربّ العالمين. فمن ذا يحقّ له الحبّ غيره سبحانه ، ومن الّذي يستحقّ أن يرجى دونه؟
فانظر الآن إلى كلّ جهة ، (انْظُرُوا ما [ذا] فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(١) فهل ترى إلا خيرا أعطى أو شرّا وقى؟ وارجع إلى نفسك وانظر كيف تربّى ؛ «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ* ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ* ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً ـ إلى قوله تعالى : ـ ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ» (٢) ، «فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ* أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا ـ إلى آخر الآيات.» (٣)
وقد ذكر الله سبحانه أنحاء نعمه سبحانه فى آيات كثيرة ، ودفع البليّات في جملة. وهي كلّها من بعض شؤون الربوبيّة الّتي دلّ عليها هذه الكلمة. بل لو تأمّلت في معنى هذه الكلمة رأيت جميع الاشياء بصفاتها وهيئاتها مندرجة تحت حكم هذه الكلمة ، وتصوّرها بعض تصوّر لها ، وجميع العلوم المتعلّقة بها شرح لهذه الكلمة. وكلّ من كان أعلم بها كان نصيبه من علمها أكثر. ولا مطمع في الوصول إلى نهاية علم هذه الكلمة لاندراج الكلّ فيها ؛ (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً.)(٤) لكنّ التأمّل في أجزاء مجاريها يورث المعارف والاحوال ، فيوجب استشعار التعظيم
__________________
(١) يونس / ١٠١.
(٢) المؤمنون / ١٢ ـ ١٤.
(٣) عبس / ٢٤ ـ ٢٥.
(٤) الاسراء / ٨٥.