فتفيد الكلمة انحصار الربوبيّة فيه سبحانه على نحو ما قدّمناه في كلمة الحمد ، ولذا ذكر بعضهم : «أنّه توحيد له وتحميد وإقرار بأنّه المالك لا غير.» (١).
وهذا هو توحيد الربوبيّة ، وأنّه لا ربّ في الحقيقة سواه ، ولا يتّصف غيره بشيء من شئون الربوبيّة ، وهو توحيد غامض بحسب العلم ، صعب المنال بحسب الحال ، والاستقامة على العمل بها عسير. وربّما يشير إليه قوله سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا.)(٢)
وهو التوحيد الّذي يبنى عليه أساس التوكّل ، ويتخلّص به من الشرك في الطاعة من المندرج فيها الرياء والسمعة. ولعلّك تسمع منّا تمام الكلام فيه وفي مقدّماته متفرّقا في خلال التفسير ـ إن شاء الله تعالى ـ.
ومعنى هذه الكلمة عامّة شاملة لجميع الموجودات محيط بجميع العوالم الامكانيّة فيكون حقيقة هذا الاسم محيطة بها وبالاسماء الخاصّة ببعض المخلوقات دون بعض ، أو ببعض الشؤون دون بعض ؛ كالشافي المختصّ بمرض المريض ، وكالرازق المختصّ بالرزق ، ويعمّ الدنيا والآخرة ، فيشمل فيه الرحمة الرحمانيّة والرحيميّة الّتي ظهرت. وتظهر على أعيان المربوبات في الاولى والاخرى. ومرتبة هذا الاسم تحت اسم الجلالة ، ولذا أخّر عنه وناسب وصفه به لكونه مظهرا لآثار الالوهيّة لنا ، وتكميلا للثناء ، وإشعارا بعلّة استحقاقه الحمد من باب دلالة تعليق الحكم على الوصف المناسب لعلّيّته لذلك الحكم.
وفي هذه الآية إنعاش لمحبّة المحبّين ، وإيقاظ لرجاء الراجين لما اشتمل عليه من معناها من المدائح والمحامد المحرّكة للحبّ ، ومن الاحسانات الّتي تحرّك الرجاء ؛ إذ كلّ كمال فعليّ أو مطلقا فرض ، فقد دلّ عليه كلمة «الحمد
__________________
(١) القول للطريحي (ره) ، فراجع مجمع البحرين.
(٢) فصّلت / ٣٠ ؛ والاحقاف / ١٣.