في العاجل فأنا الرحمن ، أو في الآجل فأنا الرحيم ، وإن كان للخوف من كمال القدرة والسطوة فأنا مالك يوم الدين.
فبملاحظة الصفات الخمسة والتوحيد فيها كما أشرنا إليه في كلّ منها يظهر السرّ في انحصار استحقاق الحمد بالله جلّ وعلا ، وأنه لا ينبغي الاشتغال بحمد من سواه.
وهذه الامور هي جهات المعبوديّة الّتي دلّت عليها كلمة الجلالة على ما سبق. فالصفات الاربعة بمنزلة التفصيل لذلك الاجمال ، وبذلك يظهر وجه ارتباط هذه الايات بالآية الآتية. وكما أنّ قارئ السورة يقرأ هذه الآيات أوّلا ثمّ آية العبادة والاستعانة ، كذلك قارئها بعقله وقلبه يتصور هذه المعاني ويصدّق بها ، ويحدث في قلبه حالات بحسبها. ثمّ يصير موحّدا في العبادة والاستعانة ، منقطعا إليه سبحانه فانّ هذه الامور مجامع الايمان بالله واليوم الآخر ، الّتي يبتني عليها العبادة والدين ابتناء الفروع على الاصول ، وبقدر قوّة هذه المعارف وقوّة حضورها عند النفس يحصل العبوديّة بالمعرفة ، ويحدث في القلب آثارها من الخضوع والخشوع والانقطاع والاخلاص ، والرجاء والخوف والحياء والمحبّة والانس وغيرها ، ويتفرّع عليها الطاعة بالجوارح على الوجه الكامل تفرّع الثمرة على الشجرة ، فانّ كلّ عمل نبات ، وكلّ نبات لا غنى به عن الماء ، فما طاب سقيه وغرسه طاب ثمره على [ما] ورد ـ ما تقرب من هذه الالفاظ ـ عن أمير المؤمنين عليهالسلام (١).
__________________
(١) راجع نهج البلاغة ، خطبة ١٥٤ ، ص ٢١٦ ، وقد قال ـ عليهالسلام ـ فيها : «... واعلم أن لكل عمل نباتا ، وكل نبات لا غنى به عن الماء ، والمياه مختلفة ، فما طاب سقيه طاب غرسه وحلت ثمرته ، وما خبث سقيه خبث غرسه وأمرت ثمرته.»