قال في الصافي بعد إيراد الروايتين :
«وفيهما دلالة على أن لكلّ إنسان أن يفرغ من حسابه ، ووزن عمله في دار الدنيا بحيث لا يحتاج إليهما في الآخرة ، وهو كذلك عند اولى الالباب.» (١)
أقول :
إن أراد بذلك أنّ كل إنسان يقدر أن يفرغ من مجموع حسابه ووزن عمله بحيث لا يبقى موضع يتأخّر حسابه للآخرة ، ففيه أنّه موقوف على الاطلاع على كلّ عمل من أعماله بجميع ما له دخل فيه ، شرطا كان أو مانعا للصحّة أو الكمال أو القبول ، ابتداء واستدامة ، وانّه علي أيّ وجه من هذه الوجوه وقع ، وعلى كلّيّات كلّ عمل من الاعمال بأجزائها وشرائطها وموانعها ومفسداتها الباطنيّة وشرائط قبولها وموانعه ، وما يحبطها وما يكملها وينميها ، وعلى الاطلاع على كل عمل قبيح صدر عنه بجميع الخصوصيّات الّتي لها مدخل في زيادة قبحه ونقصانه ، وعلى مقدار كلّ عمل حسن أو قبيح في ميزان القسط وغير ذلك ؛ إذ لو لا هذه المعلوم لم يمكن للانسان وزن نفسه ، والتفرّغ عن حسابه ، وأنّى يحصل هذه الامور كلّها للانسان إلا من خرج عن عالم الغرور ، وأعطي نورا يمشى به في الظلمات ، فشاهد بذلك هذه العلوم أو حقيقة الميزان العقليّ لنفسه ، فوزن به نفسه ، وتفرّغ عن المحاسبة. لكنّه مقام لا يستأهل له كلّ أحد إلا أن يراد محض الشأنيّة الّتي كانت في أصل الفطرة ؛ إذ ربّما يدّعى ثبوتها للجميع.
وإن أراد به أنّ له السعي بقدر ما يتيسّر له ، فهو حقّ يشهد بصحّته الاعتبار والاخبار ، ولكنّه لا ينفي الاحتياج إلى الميزان في الآخرة.
وعلى كلّ حال ، فلو أريد به أنّه لا يقع على المحاسب في الدنيا حساب وميزان
__________________
(١) الصافي ، ج ١ ، ص ٥٣.