وإجابة الدعاء ظاهر من صفة الرحمة ، بل ومن الربوبيّة أيضا. وإذا لاحظ مع ذلك وقوع يوم الدين ظهرت شدّة فاقته إلى أمور دينه ، وتمّ ظهور فقره واضطراره إلى تحصيله. وإذا لاحظ أنّ مالكه هو الله سبحانه يقيم على كلّ أحد على ما يشاء ظهر أنّ السعادة والشقاوة تحت حكمه وملكه ، فلا بدّ من الاستعانة به لتحصيل السعادة ودفع الشقاوة عن نفسه. وإذا لاحظ شدّة خطر طريق الآخرة ودقّة صراطه وأسرار دينه ونكاته علم أنّه لا ينجو من مهالكه أحد إلا باعانة الحقّ سبحانه ؛ «لا الّذي أحسن استغنى عن عونك ورحمتك.» (١)
وبقدر ظهور هذه المعارف في القلب يكون كمال الاستعانة وضعفها وعمومها للأحوال والشؤون كلّها ، واختصارها وانصراف قلب المستعين نحو المستعان منه.
وفي هذا المقام يتفاوت درجات العابد تفاوتا لا تحدّ ، فأعلاها درجة الفقر المطلق ، الّذي اتصّف بصفة الالتجاء والاعتصام الكلّيّ بربّه ، الّذي لا يخرج منه فرد ، وشأن الداعي ربّه أن لا يكله إلى نفسه طرفة عين أبدا في شأن من شئونه.
وممّا ذكرنا ظهر وجه ارتباط هذه الآية بالآيات السابقة مفصّلا ، وأنّ القارئ بقلبه الآيات الثلاث يصل إلى مقام العبادة مع التوحيد والاستعانة المطلقة منه سبحانه ، ونفي الاستعانة بغيره. وظهر إجمالا أنّ غير الحقّ لا يليق الاستعانة ، ولو فرض تحقّق هذه الشرائط في غير الحقّ فلم يترك الاستعانة بربّه الموسوم بتلك الاسماء العظام ، ويستعين بمن فيه هو مثله في صفات الامكان والجهل والعجز وقلّة الجود الصوريّ المشغول همّه بنفسه عن غيره. فقايس بين الحالين ، وانظر فيه قبائح الاستعانة بغيره سبحانه.
__________________
(١) هذه فقرة من مناجات علي بن الحسين ـ عليهماالسلام ـ في أسحار شهر رمضان ، المروية عن أبي حمزة الثمالي ، نقله الشيخ (ره) في مصباح المتهجد ، الجزء الثاني ، ص ٥٢٤.