[شدّة فقر العبد إلى الله وارتباط حصول الاستعانة مع درجات الفقر]
ثمّ إنّ الممكن لمّا كان من لوازم ذاته الفقر ، بحيث يمتنع امتناعا عقليّا ارتفاع الحاجة منه في مرتبة ذاته في ذاته ووجوده وبقائه وصفاته ، وممّا يتوقّف عليه شيء من ذلك من الامور الداخليّة والخارجيّة ، وفي أفعاله ومقدّمات أفعاله من حوله وقوّته وتوفيقه ، وتهيّىء الاسباب الخارجيّة وغيرها ، وبالجملة هو فقير مطلق في كلّ شأن من شئونه ، وكلّ حيثيّة من حيثيّاته من كلّ جهة من الجهات ، فكلّ فعل عبادة وغيرها أراد صدوره كان محتاجا إلى جميع ما أشرنا إلى جملة حتّى يستتمّ له ذلك ، وليس وجوده قبل زمان الفعل رافعا لاحتياجه ، بل هو محتاج إلى الوجود حال الفعل من دون فرق بين أن يكون قبله موجودا أو لا ، وليس حال الممكن في بقائه إلا كحاله حين الحدوث من جهة الافتقار إلى المؤثّر. فكلّ آن فرض للممكن فهو مفتقر إلى علّة وجودها في ذلك الآن من دون فرق بين وجوده سابقا وعدمه ؛ إذ لا ربط لوجوده سابقا في وجوده لاحقا. وحينئذ فما أعطي من النعم والمقدّمات ليس مغنيا للممكن بحيث يرفع حاجته ، بل هو في كلّ آن محتاج مطلق ، وكلّ آن رفع حاجته باغناء الغنيّ له صورة في مرتبة متأخّرة عن ذاته بقي بالنسبة إلى الحال اللاحق فقيرا مطلقا ، وهكذا يمتدّ الفقر منه والعطاء من الحق بقدر ما شاء من إغنائه.
فاذا عرف العبد حاله بالنسبة إلى جميع شؤونه وأموره من عبادة وغيرها على ما وصفنا تحقّق الشرط الاوّل إذا كان متذكّرا لحاله ، وإذا تذكّر الاوصاف الاربعة للحقّ من الالوهيّة والربوبيّة والرحمانيّة والرحيميّة علم أنّ الحقّ عالم به وباستعانته ، وقادر على إعانته ، وجواد لا يبخل ، وأنّ من شأنه إجابة دعاء المحتاجين ؛ إذ الجميع صفات كماليّة يندرج تحت كلمة الجلالة ، ولو لا العلم بالحال والقدر على الاعانة والجود المطلق لم يستحقّ له إثبات ربوبيّة العالمين ،