الامور الثلاثة جواهر قبل ظهورها في هذا العالم. فكلّ خير منها بمنزلة خطوة يقرّب الانسان إلى علّيّين ، فهو سلوك صراط مستقيم ، وكلّ شرّ منها بمنزلة قدم يقرّب إلى أسفل السافلين ، فهو سلوك بالنسبة إليه ، بل هيهنا سموات سبعة وأرضين سبعة ، لكلّ منها سكّان واقتضائات وأهل ، وكلّ إنسان بحسب مقام باطنه ساكن في واحد منها إن كان واقفا ، ومقيم فيه مسافر إلى غيره إن كان متبدّلا ، فالانسان وإن كان ببدنه في الدنيا لكنّه بباطنه في أحد تلك الاماكن فسالك السماء وما فوقها سالك الصراط المستقيم.
ثمّ إنّ للعقل الكلّيّ المجرّد جنودا من الملكات والاعمال والعلوم في عالم المجرّدات ، وللجهل الكلّي البسيط الظلماني جنودا كلّيّة تقابل تلك الجنود على تفصيل مذكور في الاخبار (١). وهي بمنزلة الاصل بالنسبة إلى ما يظهر فينا منها. والعقل نازل عند العرش في مقام القرب إلى الله سبحانه ، والجهل ساكن في مقابله ، فبقدر ظهور كلّ من الجندين في الانسان يقرب الانسان من منزل سلطانه ومأويه ، فهو سلوك صراط بالنسبة إليه.
ثمّ إنّ للانسان كان مقاما خاطبه ربّه ب (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) ، فقال : بلى (٢). ثمّ نزل بعد ذلك حتّى وصل إلى هذا العالم المشحون بأسباب الغفلة والبعد عن الحضور عند المعبود. وله عروج عنها يصل به إلى ذلك المقام الّذي كان له أوّلا. ولعلّ إليه يشير ما ورد من أنّ : «الصلاة معراج المؤمن.» (٣)
__________________
(١) كرواية رواها الكليني (ره) في الكافي ، ج ١ ، كتاب العقل والجهل ، ص ٢٠ ، ح ١٤ ؛ والصدوق (ره) في الخصال والعلل ، والبرقي (ره) في المحاسن كما في البحار ، ج ١ ، باب علامات العقل وجنوده ، ص ١٠٩ ، ح ٧. وكلهم رووها عن سماعة بن مهران ، عن أبي عبد الله ـ عليهالسلام ـ.
(٢) ناظر إلى قوله تعالى : «... وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا ...» (الاعراف / ١٧٢).
(٣) حديث نبويّ مشهور.