و «الضلال» هو العدول عن الصراط السويّ ولو خطأ ، وأصله على ما قيل الغيبوبة ، ضلّ الماء في اللّبن إذا غاب فيه ، وضلّ الكافر غاب عنه ؛ قال الله تعالى : (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ.)(١)
فيدخل في (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) كلّ تفريط وتقصير موجب للغضب ؛ إذا المفرط هو المعرض المدبر ، فهو البعيد ، كما فعلت اليهود بموسى وعيسى ومحمّد ـ صلىاللهعليهوآله وعليهما ـ ، وفي «الضالّين» كلّ إفراط وغلوّ ؛ إذ المفرط هو المجاوز الّذي غاب عنه المطلوب ؛ كالنصارى بالنسبة إلى عيسى عليهالسلام ؛ يدخل في صراط المنعم عليهم كلّ وسط واستقامة في عمل أو اعتقاد. كذا قيل (٢).
ولعلّ الاولى أن يعدّ الجاحد للحقّ ، والمعاند له ، والعاصي له عن علم وما بحكمه من المقصّر الّذي تهيّأ له أسباب الهداية والرشاد ، وأعرض عنه وعاند ، وأمر على خلافه مغضوبا عليهم ، والمريد للحقّ والطاعة المقبل عليه الّذي أخطأه واعقتد خلافه ، أو بقي حيرانا ضالا ، فانّ الضالّ مريد للمقصود ولكنّه أخطأ ، ولو عرض له تقصير ما في طلب الهداية فالمتوجّه إلى الصراط المستقيم المخطىء عنه ، ولو بسبب عدم بذل الجهد بكماله في تحصيل المقصود ضالّ عنه ، والمدبر عنه دالّ لاستكبار أو عناد أو عصبيّة هو المغضوب عليهم بقرينة المقابلة ، ولأنّهم المستكملون لاستحقاق الغضب.
وهذا هو الظاهر من حال اليهود ، كما يظهر من تصفّح أحوالهم المذكورة في الآيات والاخبار والآثار. والاوّل هو الظاهر من حال النصارى ، كما أنّ الظاهر من حال النصّاب هو الثاني ، ومن الشكّاك الّذين لا يعرفون الامام هو الاوّل ، فينطبق بما ذكر الروايات المذكورة كلّها سوى عدّ اليهود من الضالّين
__________________
(١) السجدة / ١٠.
(٢) الكلام للفيض (ره) ، فراجع الصافي ، ج ١ ، ص ٥٦