ويؤيّد الجزء الاوّل منه التعبير عن السورة ب «أمّ الكتاب» و «أمّ القرآن» في روايات عديدة ، والظاهر من كونها أمّا له اشتمالها عليها كاشتمال الأمّ على ولدها ، وحينئذ يكون السورة جامعا لجميع القرآن المحيط على ما في التوراة والانجيل والزبور ، بل وجميع الكتب السماويّة على ما يظهر من وصفه بأنّ : «فيه تبيان كلّ شيء».
ويشبه أن يكون السرّ في ذلك أنّ المقصود من البيان إمّا بيان الحقّ وصفاته وأسمائه وتوحيده ، و [إمّا] بيان أحوال الخلق وصفاتهم وحقائقهم وذواتهم ، وبيان ما هم عليه في الواقع ، وبيان النسبة الواقعة بين الحقّ سبحانه بأسمائه والخلق ، وهذه السورة اشتملت من أوّلها إلى (يَوْمِ الدِّينِ) على المقصد الاوّل بالاصالة ، ومن قوله «إهدنا» إلى آخر السورة على المقصد الثاني بالاصالة ، وقوله «إِيَّاكَ نَعْبُدُ ـ الخ» على الثالث.
وكذلك قيل : «إنّ في الحمد ثلاث مقامات : مقام حقّ لا خلق فيه ، ومقام خلق لا حقّ فيه ، ومقام حقّ وخلق.» وإنّما قلنا بالاصالة لأنّ الاسماء الالهيّة تدلّ على حال المخلوقات بالتبع لظهورها بها ، ودلالة الثاني على صفات الحقّ في المعاملة معهم بالانعام وغيره. ويظهر من هذه الاشارة وجه لاندراج علوم الفاتحة في البسملة بضميمة ما أشرنا في بيان الارتباط بين آيات الفاتحة وما قدّمناه في تفسير البسملة مشروحا وما يتعلّق بها ؛ إذ لا يخلو شيء عن كونه متعلّقا بأجزاء مدلولها ، وهي محيطة بجميع عوالم البدو والمعاد ، فانّ اسم الرحيم ظهوره في عالم الآخرة بنفسه للمؤمنين ، وبظلّه الّذي هو اسم المنتقم على غيرهم ، وهو مفهوم من اسم الرحيم بالتبع ، وقد مرّ بيان ما يوضح ذلك.
وأما اندراج البسملة في الباء ، فلأنه إن أخذ بمعنى البهاء على ما قدّمناه فهو محيط بهذه الاسماء المتأخر ذكرها ومقدم في المرتبة عليها على ما بيناه