ثم إنه ربما يستفاد من نسبة الهدى في صفة القرآن إلى المتقين ، ومن قوله : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) على ما مرّ من دلالته على الحصر ، انحصار الهدى الالهية في المتقين والمؤمنين الموصوفين بتلك الصفات ، وأن القرآن هدى لهم لا ـ لغيرهم. فالظاهر من ذلك أنّ طريق تحصيل تلك الهداية والاهتداء بالقرآن هو تحصيل تلك الصفات ، كما أن حصول الفلاح مما يترتب عليها ، وطريق تحصيله هو اكتسابها ، فربما يتحصل من ذلك أن كلا من تلك الصفات والهدى أخوان متلازمان وصاحبان مصطحبان لا يفارق أحدهما صاحبه ، فمن اتصف بتلك الصفات على ما ينبغي أن يكون عليها ، فهو على تلك الهدى الخاص ، والقرآن هدى له بمقتضى منطوق الآية ، ومن لم يتّصف بها لم يكن له ذلك.
فربما يستخرج من ذلك أن كلا منهما علامة للآخر فمن وجد في نفسه هدى ربانية ، وصار القرآن هدى له على غير الوجه الذي يشاركه فيه الكفار والمخالفين والمستغرقين أعمارهم بالفسق والفجور ، كان ذلك علامة لكونه مستجمعا لتلك الصفات ولكونه مفلحا في الآخرة ؛ لأن وجود الموضوع يستتبع وجود كل محمول له فرض. ومن لم يجد ذلك في نفسه ، وظهر له أنه لم يدرك غير ما يشاركه فيه الطوائف الآخر ، كان علامة عدم كونه مستجمعا لتلك الصفات على الوجه الّذي ينبغي أن تكون عليه ، ولخروجه عن تحت المفلحين بناء على استفادة الحصر كما تقدم ذكره. وكذا كل من وجد ما صورته الهداية ، فان ظهر منه تفرّعها على تلك الصفات كان إمارة كونها هداية حقّة إلهية ، سواء كان في آيات القرآن أو غيرها ، وإن ظهر منه عدم تفرعها عليه لم يلزم أن يكون كذلك ، بل لعلّها وسوسة شيطانية باطلة ، ظهرت له في صورة الحق.
وربما يلزم من ذلك أنّ غير التقوى والايمان والاتصاف بتلك الصفات ليس من طرق الهداية ، سواء كان رياضة باطلة ، أو تعلّم العلوم العقلية من الفلاسفة ، أو