وأما عزوب الشدائد عمّن أخذ بالتقوى واحليلاء الامور ، فلعلّه لأن كلّ أمر تحمّله وصبر عليه يصير ملكة له ويسهل عليه ، فيصير الشديد سهلا ، والمرّ حلوا ، أو لان شدة الامور صعوبتها ومرارتها إنما جاء من طرف استيلاء تلك الحالات المخالفة لها في النفس ، فاذا ارتفعت أو ضعفت أو أسكنت بوجود المزاحم القوى الّذي هو باعث التقوى صارت سهلة حلوة ، أو لأن شغل النفس بالشاغل القوي يمنعها عن الانفعال التام عن تلك الامور ، أو لأن الحق سبحانه يفرغ عليه صبرا ويثبّت قدمه.
وأما انفراج الامواج بعد تراكمها ، فلعلّ المراد منه انفراج أمواج الهموم الدنيوية ، أو انفراج أمواج الهوى المسلّط عليه. وظاهر أنّ بعد الصبر على تحملها ومخالفة الهوى تنفرج عنه تلك الاهوال ، ويخلص النفس عن أسرها ، وتصير حرا بعد أن كان عبدا لها.
وأما سهولة الصعاب ، فلعلّه لما ذكر ، وإن أراد به الطاعات والمجاهدات الصعبة ، فمن الظاهر أنها جميعا بعد التمرّن والتعوّد تصير سهلة كما هو الحال في كل عمل صعب بعد الاعتياد.
وأما هطل الكرامة وتحدب الرحمة وتفجر النعم ووبل البركة ، فالظاهر أنها هي الفيوضات الباطنيّة الواردة لأهل التقوى من خزائنها الغيبية من المعارف والعلوم والارزاق المعنوية والصورية المثالية وغيرها مما يعلمه أهله ، أو مع البركات الظاهرية في ماله وعمره وغيرهما ، وسائر الخيرات الصورية والمعنوية ، الّتي منها أن يجعل له مخرجا ، يرزق من حيث لا يحتسب على ظاهر الآية الشريفة (١).
وهذا كلام اجمالي عسى أن تطلع على كثير من التفاصيل فيما بعد ذلك ـ إن شاء الله تعالى ـ.
__________________
(١) المراد منها آية ٢ ـ ٣ من سورة الطلاق.