وأما كونها صلاحا لفساد الصدر ، فلعلّه لما تقدم ، أو لأن فساده من طرف استيلاء الشيطان الّذي يوسوس في صدور الناس ، والمتقي بعيد عن تسلّط الشيطان عليه ؛ (إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ)(١) ؛ (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ)(٢).
وأما كونها طهور دنس النفس ، فلعلّه لأجل أن الدنس إنما يحصل في النفس لمزاولة المعاصي ، أو الانهماك في الشهوات ، أو لمجاورة عالم الطبيعة والخلود إليها ، والتقوى تمنع عنها وتزعجها إلى عالم القدس والطهارة ، ومقربة لها إلى المياه المعنوية المطهرة عن تلك الادناس.
وأما كونها جلاء غشاء البصر ، فلعلّه لمثل ما مرّ في ذكر كونها بصر عمى الفؤاد ؛ إذ الظاهر هنا إرادة بصر القلب أو بصر القالب المثالي.
وأما كونها أمن فزع الجأش ، فلعلّه باعتبار كونها موجبة لغمض العين عن المفاسد الدنيويّة ، فلا يكون للقلب اهتمام بشأنها حتّى يوجب حصول الفزع له لمكان صبره على مكاره الدنيا وتحمله لها ، ولصيرورة نظر صاحب التقوى أعلى من تلك المخاوف اليسيرة باستيلاء خوف المهالك العظيمة الباقية ، الّتي لا نسبة لجزء من أجزائها إلى مجموع مخاوف الدنيا بأسرها ، وعلو رجائه فيما يرجوه من الامور الباقية ، أو لاتّصال صاحبها وقربه إلى محل السكينة الّتي تنزل على قلوب المؤمنين ، أو لاتّصاله إلى عالم القدس المعرّى عن شوائب التغيير والنقصان ، وخروجه عن عالم الكون والفساد.
وأما كونها ضياء لسواد الظلمة ، فلعلّه لمثل ما تقدم ، أو كونها سببا لظهور النور من جانب الحق في القلب.
__________________
(١) النحل / ١٠٠.
(٢) الاعراف / ٢٠١.