وإما باعتبار رين الواقع على القلب من متابعة الشهوات وارتكاب المعاصي ، فاستولى بها الظلمة على الفؤاد. وإمّا باعتبار مجازات واقعيّة وقعت على معاصي العبد. وجميع ذلك ترتفع بالتقوى ؛ إذ بواعث التقوى تمنع من تلك الاغطية ، بل المتّقي يزن بميزان الحق والقسط خوفا من ميزان القيامة ، الموضوع على القسط ، ولا يبقى له معاصي تصير سببا للرين ، ووقوع المجازات بتركها فعلا ، وتداركها ما فرط منها سابقا بالتوبة والتلافي.
وأيضا فاعطاء الله سبحانه بصرا للمتقي به يكون فؤاده بصيرا ليس ببعيد من مواهب الله وعطاياه ، ولا من المتّقي لمكان القابليّة الحاصلة له ، ومن ذا يكون أقرب إلى عطاياه سبحانه من المتقي. والتقوى تقرب صاحبها إلى معطي الابصار ومالكها ، ومانع كل الخيرات.
وأما كونها شفاء لمرض الاجساد ، فلعلّه باعتبار كون الامراض ناشئة من المعاصي ؛ قال سبحانه :
(ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ.)(١)
والتقوى مانعة عن فعل المعصية ، وموجبة لتدارك ما وقع ومحوه ، ومقربة لصاحبها من الدخول تحت قوله تعالى : (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ)(٢).
وإما باعتبار إرادة الاجساد المثالية الّتي هي في باطن الجسم العنصري ، وصحّتها تكون بالتقوى.
وإما باعتبار أن تلك الامراض الظاهرية بمنزلة الصور والكلال للأمراض الباطنية في كثير من الاحيان للمناسبة الواقعة بين عالم الملك والملكوت ، فبارتفاع تلك الامراض ترتفع هذه.
__________________
(١) الشورى / ٣٠.
(٢) الشورى / ٣٠ ؛ والمائدة / ١٥.