ما ببالي :
(أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها.)(١)
وسيأتي بيانه في محلّه ـ إن شاء الله سبحانه ـ.
وفي هذين المقامين يصحّ المقابلة بين صفة الكفّار والمتقين حيث أورد سبحانه في صفتهم تارة أنّ : «القرآن هدى لهم» ، وأخرى ب «إيمانهم بالغيب» ، وثالثة ب «أنّهم على هدى من ربهم» وهذان المشار إليهما من أعظم أنواع الهدايات الباطنية التي تقدمت إليها الاشارة ، وأعظم أنواع الايمان بالغيب إن أخذ الغيب على إطلاقه ، فانّ المدرك بها غيب من هذا العالم ؛ كما أن تلك الصفات المقابلة لها من الختم والغشاوة من أنواع الضلالة المقابلة لها.
والكفر بالغيب بمعنى «الستر» ؛ إذ الموصوف بتلك الصفة غير مؤمن بحقيقة الايمان العياني ، فهو كافر بحسب هذا المقام وهذه المرتبة وإن كان مؤمنا باعتبار المراتب الاخر.
والمناسب اعتباره في هذا المقام من المعنى أن يكون المراد بالكفر في صلة الجملة في الآية هو الكفر المعنويّ الموجب لعروض هذه البلايا ، كما أنّ التقوى والايمان في الآيات السابقة في مرتبة إرادة الهدايات الباطنية الحقيقة هو الفرد الكامل ، ولا يلزم من ذلك قصر معنى اللّفظ في المقامين على البعض مطلقا ، بحيث يخرج ما عداهم عن الكلام بالمرّة ، بل بحسب بعض المراتب فقط ؛ إذ الكلام بنفسه صالح لمقامات ينبغي مراعات الموضوع والمحمول في كلّ منها بحسبه ، ليكون القرآن معطيا حكم كل مقام لأهله بحسبه ؛ فانّه مائدة الله سبحانه لجميع عباده ، لا يختصّ ببعض دون بعض ، كما ربما يظهر ممّا قدّمناه في المقدّمات.
__________________
(١) الانعام / ١٢٢.