وبالجملة : فكما أنّ ذلك الابصار والاسماع كانتا لأهل الطاعة والشيعة وأهل الذكر ، أو أيّ اسم سمّيتهم به ، وكان حال قلبهم مشروحا للاسلام واعيا بصفات مطلوبة ، كذلك عمى ذلك البصر ، وصمم ذلك السمع ، وصيرورة القلب مختوما عليه ضيّقا حرجا لا يدخله المواهب ، ولا يخرج منه إلى الجوارح ما يفيدها للمقابلين لهم في الصفات والاعمال والاحوال. فكأنّ الاوّل من أعظم الثواب العاجل لهم ، والثاني من أعظم النكال والعقاب المعنويّ العاجل الواقع عليهم عدلا منه سبحانه وقسطا ؛ (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ.)(١)
ويصحّ في هذه المرتبة من تفسير المعنى جعل المفردات والمركبات والنسبة باقية كلّها على معانيها الحقيقة من دون لزوم مجاز أو غيره ؛ سوى أنّه لا يبعد أن يقال : إنّ الظاهر من إطلاق الالفاظ ونسبتها والمتبادر العرفيّ منها هو المعاني الموجودة في ظاهر هذا العالم الذي شاهده المخاطبون وغيرهم من أهل العرف ، دون تلك الحقائق عند وجودها في عالم آخر بنحو آخر ، لكن ذلك إنّما يتبع إذا لم يكن هناك قرينة صارفة في الكلام ، وأمّا بعد وجودها فهو أقرب من سائر المراتب إلى ظاهر اللّفظ ؛ إذ هو أقرب إلى الحقيقة العرفيّة ، والمقام منه ؛ إذ من الواضح عند المخاطبين وغيرهم أنّه على قلوبهم وسمعهم المحسوسة ختم حسي ، ولا على بصرهم المحسوس غشاوة حسّيّة. وأعلى (٢) من هذه المرتبة من التفسير يظهر بملاحظة النور العقليّ الذي يظهر به حقيقة كلّ محسوس ومسموع ، ومقابله من الظلمة التي (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها)(٣). ولعلّ إليهما ينظر قوله سبحانه على
__________________
(١) الجاثية / ٢١.
(٢) كذا في المخطوطة.
(٣) النور / ٤٠.