الصوريّين لا يترتب عليه الحذر والعمل إلا بعد ادّائهما المعنى بحقيقته إلى القلب ، وتعقله ذلك الحقيقة على الوجه الذي ينبغي أن يعقل ، وكون القلب واعيا له.
فاذا خرج الحال عن هذه الصفة استوى الانذار وعدمه ، وذلك الحجاب المعنويّ قد يكون هوى عارض للقلب يحول بينه وبين إدراكه مضارّ متعلّقه ، أو تقليد مخالف للمنذر به ، أو حميّة وعصبية مخالفة له ، أو عادة تمنع من رسوخ داعي خلافه ، أو أفكار متشتّتة استولت على القلب فلم يبق خاليا ساذجا ، أو وساوس شيطانية أحاطت هواجسه ، أو نحو ذلك. وهي ربّما تتصور وتتشكل في باطن هذا العالم ، وتصير سدّا غاشيا للقلب ، مانعا عن إدراكه المعاني ووصول المعاني إليه على الوجه الذي ينبغي أن يكون عليه ، بل الظاهر أنّ المعاصي بعد تجسّمها أيضا من أعظم أنواع الحجاب للقلب ، ولا تستبعد من تجسّم الاعمال والمعاني الباطنيّة وقد دلّت عليه استبصارات معتضدة بآيات وأخبار كثيرة تأتي كثير منها ـ إن شاء الله تعالى ـ مشروحا.
فحينئذ فنسبة الختم إلى الله سبحانه باعتبار أنّ تحقّق تلك المعاني والاعمال و* تشكلها وتمثّلها في عالمها من فعل الله سبحانه ، وبذره عمل العبد ؛ كالبذور الخارجية ، فانّ الدنيا مزرعة الآخرة ، ومن يزرع شرّا يحصد شرّا وإن كان الخالق هو الله سبحانه.
فهذه الخطايا الباطنية والظاهرية إذا أحاطت بالقلب ، واستولت عليه بحيث لم يبق له مجال لغيره ، واستحكمت وصارت كأنّ مقتضياتها طبيعة ثانوية له ، فصاحبه لا يؤول إلى خير أبدا ، و* (١) استوى عليه الانذار وعدمه. فهذه أيضا مرتبة
__________________
(١) ما بين النجمتين سقط من المطبوعة ، ومكانه فيها : «الافعال لهم حاضرة عنده تعالى بحيث «لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماء ولا في الارض.» ـ ناظر إلى قوله تعالى في سورة يونس آية ٦١ ، وسورة السبأ آية ٣ ـ ويؤيد ما ذكرنا ما قيل في معنى الآية بأن ـ