هو علم الشيء علم حسّ ، وصورة معاملته مع نفسه وحاله في حد ذاته من أحق الاشياء بأن يكون عالما به علما وجدانيا. وعلى هذا المعنى لا حاجة إلى توسع في الشعور بأن يقال : إنّ لحوق ضرر ذلك بهم لما كان كالمحسوس ، وهم لتمادي غفلتهم كالذي لا حسّ له وإن كان حسّيا باعتبار المعنى المذكور سابقا.
ثم لا يخفى عليك أن مخادعة النفس الامّارة للحق سبحانه ليس أمرا نادرا ، بل هي في كثير من مقامات العبودية تبنى على الخداع مع الله سبحانه ، ولا يلتزم بالصدق في المواطن ، فتدّعي عند الحق ما ليس فيها ، وتظهر في حضور الحق ما ليس بواقع من دعوى الثبات في مقام العبودية والاخلاص والتوكل والتفويض والرضاء والمحبة وسائر المقامات ، فتأتي بكلام كاذب كحصر العبادة والاستعانة بالحق سبحانه ، وطلب الهداية ، مع أنه لا يهمّها ولها معبودون ومستعان بهم غير الحق ، ويستغفر الله سبحانه وهو مصرّ على الذنب ، الذي ورد في حقه على ما ببالي : «إنّه كالمستهزئ بربه» (١) ، وتظهر حالا ليس لها واقعيّة ، كالخشوع الظاهري الزائد على خشوع القلب الذي سبق كونه نفاقا ، فضلا عن أن يكون القلب خاليا عن الخشوع رأسا ، وكإظهار الرضاء عند الحق سبحانه والحق يراها كارها لقضائه وكإظهار حبّ الله وغيره من سائر المقامات ، وتظهر مقاما من مقامات الايمان وليس فيها ، وتعد الحق بشيء ولا تفي به ، وتجادل عند الحق في تصحيح أعمالها القبيحة وتطلب لها المعاذير ، فتعدّ لنفسه لكل قبيح عذرا يتغطى به حذرا عن حدو انكسار لها وذلّة ، كما أنه ربما يظهر من قوله سبحانه : (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها)(٢) ، أنها لا تترك المجادلة في القيامة فضلا عن الدنيا ، ولا تعترف بالقصور
__________________
(١) روى الكليني (رض) في الكافي ، ج ٢ ، باب التوبة ، ص ٤٣٥ ، ح ١٠ ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليهالسلام ـ أنه قال : «المقيم على الذنب وهو مستغفر منه كالمستهزئ.»
(٢) النحل / ١١١.